نقاط قوة المجلس الأعلى ، وفرص النجاح .. محمد الهاشمي يتحدث

نقاط قوة المجلس الأعلى ، وفرص النجاح .. محمد الهاشمي يتحدث

قراءة في الرأي العامّ ، بناء على دراسات ميدانية ، واستعمال دقيق لتحليل البيانات ، ونتائج الاستطلاعات ، ومتابعة للتواصل الاجتماعيّ.
1- أدرك جمهورُ المجلس وكوادرُه وقيادتُه بعمقٍ أنّ مشروع قادة المجلس هو الإسلام ، ولا تنازل عنه مهما كلّف الثمن , وهم حملة المشروع الرّساليّ الأوّل (المجلس الأعلى) التاريخيّ الذي أسهم في تأسيسه مراجعُ وفقهاءٌ ، وتوالت على إدارته شخصياتٌ يشار إليها بالبنان ، منهم شهيد المحراب ، والمرجع السيّد محمود الشاهروديّ ، وآية الله الشيخ محمّد مهدي الآصفي وآخرون , فضلاً عن إشراف الجمهورية الإسلاميّة ، بثقلها الدّينيّ والسياسيّ على التأسيس والممارسة.

2- يبدو لي وللباحثين والمراقبين وغالب الجمهور العراقيّ أنّ المجلس لم يتنازل عن ثوابته الاسلامية والوطنية التي لأجلها أُسس , وضحّى بخيرة أبنائه , وهو اليوم يعتمد خطاباً مختلفاً تماما في تفاصيل العمل السياسيّ , فبياناتهم تتضمّن قولاً فصلاً في العديد من النقاط الحسّاسة ، بما فيها بيانهم من الاستفتاء الكُرديّ ، وتلك أحد ثمرات (التّصحيح ) كما يلمسها الرأي العامّ .

3- المجلس حينما تأسس لم يكن حزباً ، مقابل الأحزاب الشيعية الأخرى , وليس تشكيلاً يقف قبال التشكيلات ، بل أُسس ليكون قيادةً علمائيةً وسياسيةً جامعةً للقوى السياسية الشيعية ، ومتواصلةً معها ، ورابطةً بينها ، على أُسسٍ ومفاهيم موحّدة.
ويعتقد الباحثون أنّ هذا الأساس الذي اعتُمد في نقطةِ الشّروع يعتبر عامل قوّة اليوم ، من خلال شخصياتٍ فيه ، متوازنةٍ في القرار والعلاقات ، تمكّنه من إعادة فاعلية المجلس الأبوية ، فيكون أبويّاً متواصلاً مع الجميع , وهذا التواصل يمنحُه فرصةِ إعادة البيت الشيعيّ السياسيّ ، وإعادة انتاج نفسه أيضاً ، ويجعله يتموضعُ بنقطةِ ارتكازٍ مهمّةٍ ، ويمنحُ العمليةَ السياسيةَ وحقوق الشيعة ثباتاً أشدّ , أي أنّ المجلس اليوم أشدّ قرباً من جميع الفصائل والأحزاب من الجمهور.

4- عددٌ مهمّ من قيادات وكوادر المجلس لهم شعبيةٌ واحترامٌ في الأوساط الشعبية بقدر عالٍ ، ويُنظر إليهم باحترامٍ ، وقد تمكّنوا بحركتهم (تصحيح) أنْ يضعوا حدّاً فاصلاً بين مسيرتهم ومسيرة غيرهم ، ويجعلوا المواطن يتعرّف على أنّ هناك كيفين مختلفين بين (تصحيح ) و( الحكمة ) ، فلا تُلقى حمولةُ طرفٍ على طرفٍ آخر ، وهذا مصدر قوّةٍ لهم ، وثبات لهويتهم في رأي الجمهور , وعليه فالجمهور العراقيّ ومن خلال متابعاتنا الميدانية تعرّف على أسباب الخلاف بين المجلس وبين الحكمة ، وشعر بمظلومية المجلس ، وكأنّه أدرك أنّ شخصياتهم ودروهم وتاريخهم كان مغيّباً , وأنّ سكوتهم كان تضحيةً منهم .

5- شئٌ مهمّ نتلمّسه في خطاب المجلس ، وهو أنه لا يريد في هذه المرحلة أنْ يكون (حزباً انتخابيّاً) ، ولا حتّى (حزباً سياسياً) ، بل يريد أنْ يكون (مشروعاً سياسياً) بما يتضمّنه من تفاصل المشروع الإسلاميّ ، وبمنهج إيديولوجيّ ، سواء شارك في الانتخابات أو لا؛ فإنّ دورَهُ البناءُ والتأسيسُ ، وتبنّي المشروع الاسلاميّ ، وتنشئة الأجيال ، وتنمية وتطوير الطّاقات والكوادر ، ويكون المشروعُ السياسيّ والانتخابيّ نتيجة لتلكم الجهود ، وإحدى ثمرات المشروع ، وليس هي المشروع .

6- الجمهور العراقي أدرك أنّ هناك موقفاً شرعيّاً ورأياً فقهيّاً يعتبر نقطة الفصل بين المسيرتين ، وهي السبب الجوهريّ في الخلاف , فضلاً عن أسبابٍ أخرى إداريةً , وماليةً , ولجان اقتصادية , وسلوكية , وتسرّبت تلك المفاهيم إلى أعماق الجمهور العراقيّ ؛ كردّةِ فعلٍ وإجابةٍ عن سؤال محيّر بخصوص انفصال غير مدروس ؛ فولّد دويّاً كصوت شاهقات الجبال ، هوت في أعماق البحار , ممّا دفع الجميع للتفتيش في الأسباب ، فتبانى القومُ على أنّ نقطة ارتكاز الخلاف هي الخلاف الفقهيّ وغيره ،وهذه نقاط تحسب لـ(تصحيح).

7- تبنّي سماحة السيّد عمّار الحكيم تيّاراً مدنيّاً أوجد بنفسه الفاصل والفيصل وحكم على نفسه أنّه يتّجه إلى مشروعٍ مختلفٍ نوعاً وكمّاً وكيفاً عن مشروعٍ سارت عليه أجيالٌ وحوزات ومرجعيات وتهجّر وترمّل وتيتم ، وسالت لأجله دماء زاكية على مذبح الكرامة والإسلام , فكيف يقتنع الجمهور أنْ يتخلّى عن مشروعه لمجرّد تخلّى قائده عن مشروع مرجعيةٍ وحوزةٍ ، ومشروع عمّه وأبيه , لا أقلّ في علم السّايكولوجيا كان عليه أنْ يراعي عامل الزّمن لتغيير ثقافة جمهوره , ومن هنا وجدنا أنّ الجمهور العراقيّ عرف السبب في بقاء أغلب القيادات والكوادر والشخصيات في المجلس , وأخيراً أطلقوا كلمتهم الفاصلة مع كلّ اعتزازهم بالسيّد عمّار ، إلّا أنّ خروجه الذي اختاره ، ومنهجه الذي روّج له وتبنّاه هو المسؤول عنه , وأنّهم يختلفون عنه بكلّ التفاصيل لذا كان مؤتمر (تصحيح), بينما الرأي العامّ لم يكن مدركاً لتلك التفاصيل قبل .

8- يتكلّم الشّارعُ العراقيّ والرأي العامّ عن هامات وقامات شامخة في التاريخ السياسيّ والعمل الإسلاميّ والفكريّ ، وتحمّلوا الهجرة والغربة والمحن ، الذين هم اليوم قيادات المجلس التصحيحيّ , ويشعر أنّه أشدّ استئناساً بهم ، وأنّهم أقرب إليه ، ولكنّي أبقى قائلاً: إنّ هذا الشّعور لابدّ أنْ يفعل بتواجدٍ لذات القيادات ميدانيا وتواصل واضح الآليات .

9- يشعر الجمهور العراقيّ أنّ تلك القيادات البارزة في تاريخ وحاضر العراق كانت مغيّبة قسراً ، واختفى معها الخطاب والوجود ، وربّما المشروع ، واليوم عادت وعاد حضورها الإعلاميّ والعمليّ , فكان الجمهورُ يرى السيّد الأجل عمّاراً وحده ، يقول ، ويفعل ، ويقرر ، ويصرّح ويتفاوض ، ويزور ، و و و ، واليوم يبدو أنّ هناك توزيعاً للأدوار ، بما يؤدّي إلى منح تلك الشخصيّات دورها الفكريّ والسياسيّ بإذن الله تعالى ، وهذا يستحقّ أنْ يقال عنه إنّه (تصحيحٌ) .

10- وما قيل: إنّ تخلّي تيّار الحكمة عن الأجيال (المؤسِسةِ) كان من مقتضيات حركة التاريخ وفق نظرية (الإزاحة الجيلية) يعدُّ من المضحكات المبكيات ، فالأحزاب تحتفظ برجالاتها ، وهذا ما يشهد به التّاريخ السياسيّ لكلّ حركات العالم بشكلٍ واضحٍ ، وقد تبانى عليه العقلاء في مشارق الأرض ومغاربها ، لكن ربّما خالط الأخ الجيلي شعورٌ أنّ ما يصحّ في فرق (كرة القدم ) يصحّ في العمل السياسيّ , وأنّ الأجيال القديمة قد تآكلت ولا يصحّ بقاؤها في العمل السياسيّ تلك نظريةٌ لا ندري هل تشمله أم هو خارجٌ عنها بمخصصٍ ، قد أخرجه منها ، فلماذا يخرج الآخرون ليبقى وحده تيّاراً شبابيّاً ، ليبدو أنّه عارضٌ على المجلس طارئ عليه ، فيستفزّه وجود الأقدمين معه .

11- الارتباط الأُسريّ ليس مبنىً حزبيّاً ولا فقهيّاً ، بل تشريفيّ ، يبقى حينما تبقى الأسرة ملتزّمةً بذات المنهج ، وإلّا فإنّ المنهج الذي حملته الأسرة يبقى ببقاء النخب التي تحمله ، لا ببقاء الذين تخلّوا عنه .

وفي النتيجة

تلك نقاط قوّة مهمّة ، وهي أنّ الثقافةَ السياسيةَ للرأي العامّ في العراق ، والأوساط والنخب الثقافية وحتّى الحوزوية تتّجه إلى منح المجلس وحركته التّصحيحية نوعاً من التأييد ، لكنّه يحتاجُ إلى الكثير من التواصل مع الجمهور ، والبحث عن الطّاقات وتفعيل المشاريع العلمية والثقافية والبناء أكثر والانسجام بين القيادات ، والتنسق العالي مع الأحزاب والحركات ، واختيار الخيارات الصّحيحة.

وعليه فإنّ نقاط الضّعف التي اشرنا إليها هي في ( الآليات ) ، ونقاط القوّة في (الأهداف والمتبنّيات ) ، وكلتا القراءتين قد اعتمدنا فيهما على الميدان ، وليس اجتهاداً شخصياً في البين .

أسال الله الخير والتوفيق في حمل الأمانة، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72)} [الأحزاب : 70 – 72].
والله وليّ الموفق.

بقلم د. محمد صادق الهاشمي

تابعونا عبر تليغرام
Ad 6
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com