خمسة أسئلة تنتظر إجابات شفافة تتعلق بقضية اختفاء الخاشقجي أو مقتله

خمسة أسئلة تنتظر إجابات شفافة تتعلق بقضية اختفاء الخاشقجي أو مقتله

من المؤلم أن قضية اختفاء الزميل جمال خاشقجي الصحافي السعودي المعروف، تزداد فصولها غموضا يوما بعد يوم، بسبب تناقض المعلومات، وغياب الأدلة الدامغة، وتتحول إلى “رواية بوليسية” على طريقة روايات الكاتبة الشهيرة أغاثا كريستي، وربما هذا ما أرادته الجهة التي تقف خلف عملية هذا الاختفاء، سواء كانت السعودية التي أنكرت كل الاتهامات الموجهة إليها في هذا الإطار، أو جهات أُخرى ما زالت غير معروفة.
بداية لا بد من التأكيد بأن السيد خاشقجي الحق بمواقفه الانتقادية لملف حكومة بلاده في قضايا حقوق الإنسان، واضطِهادها للمعارضين وملاحقتهم بالخطف أضرارا كبيرة جدا بحكم شهرته العربية والعالمية، سواء كانوا مِن الأُسرة الحاكمة أو من خارجها، واعتراف الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، أنه جرى اعتقال حوالي 1500 سعوديا يقبعون حاليا خلف القضبان في حديثِه الذي أدلَى به إلى وكالة “بلومبرغ” الأمريكية ونشرته قبل أيام، مما يجعلها، أي السعودية، المتهم الأول في عملية اختفائه أو اختطافه، الأمر الذي سيؤدي إلى فتح ملفات هؤلاء، ويزيد من الاهتمام الدولي بقضاياهم، وبما يتناقض مع حملة العلاقات العامة التي كلفت مئات الملايين من الدولارات لإظهار المملكة كدولة إصلاحيةٍ
السلطات التركية التي أكدت في روايات متعددة على لسان العديد من المسؤولين فيها أن السيد خاشقجي لم يغادر القنصلية السعودية التي دخلها في الساعة الواحدة من بعد ظهر الثلاثاء الماضي، ثُم سربت مصادر تابعة لها رواية نشرتها صحيفة “الواشنطن بوست” اليوم تقول أنه جرى قتله وتقطيعه داخِل القنصلية وتم وضعه في صناديق نقلتها سيارات دبلوماسية سوداء مظللة إلى جهة مجهولة، دون استبعاد أن يكون مطار إسطنبول الدولي، وعززت الصحيفة الأمريكية التي كان الخاشقجي أحد كتاب الرأي فيها، روايتها هذه بنشر صورة له وهو يدخل إلى مبنى قنصلية بلاده.
الخارجية التركية، أعلَنت في بيان رسمي على لسان متحدث باسمها أن السلطات السعودية سمحت بتفتيش مبنى قنصليها التي قيل أن خاشقجي جرى احتجازه وربما تقطيعه فيها، بينما قال الأمير خالد بن سلمان نجل العاهل السعودي وسفير بلاده في واشنطن أن كل التقارير حول اختفاء أو قتل الخاشقجي “زائفة”، وأن التحقيقات ستكشف الكثير من الوقائع والمفاجآت، وأكد أن السيد الخاشقجي كان “صديقه” رغم اختلاف وجهات النظر، والتقاه أكثر من مرة داخل السفارة وخارجها، وظل على تواصل معه عندما كان في واشنطن.
الرئيس رجب طيب أردوغان زاد الوضع غموضا عندما اتخذ موقفا “متحفظا” في هذا المضمار وقال أنه ينتظر نتائج التحقيقات، وطالب السلطات السعودية “إثبات” أن الخاشقجي غادَر القنصلية فِعلا بالوقائِع والأدلة.
لا نعتقد أن السلطات السعودية كانت ستسمح لرِجال الأمن الأتراك بدخول القنصلية لو أن السيد خاشقجي ما زال موجودا، أو أنه جرى قتله وتقطيعه قبل نقل جثمانه، أو إذا كان جرى ذلِك فعلا، ولكن من غير المستبعَد أن يجد المحققون بعض الأدلة المفيدة بشكل أو بآخر حتى لو جرى إخفاء الكثير من الآثار إذا كانت الروايات صحيحة.
هناك عدة أسئلة تحتاج إلى إيجابيات واضِحة من وجهة نظرنا، وجميعها حول نقاط وردت في تقارير إعلامية منسوبة إلى مسؤولين أتراك داخِل السلطة:
ـ الأولى: لماذا جرى إعطاء جميع الموظفين المحليين العاملين في بيت القنصل السعودي إجازة لمدة “يوم واحد” وبشكل مفاجئ، أي يوم اختفاء الخاشقجي، حسب ما ذكرت صحيفة الصباح التركية المقربة من أردوغان اليوم، وماذا عن الموظفين الأتراك المحليين في القنصلية هل جرى إعطائهم إجازة أيضا؟
ـ الثاني: الصحيفة نفسها تحدثت للمرة الأُولى عن نظرية جديدة تقول أن السيد الخاشقجي ربما لم يقتل وقد يكون جرى نقله “حيا” في سيارات مظللة غادرت من بوابة خلفية للقنصلية إلى مطار إسطنبول في صحبة وفد رجال الأمن المكون من 15 شخصا الذي وصل إلى القنصلية صباح يوم “الاختفاء”، حيث كانت هناك طائرتان خاصتان في انتظارهما، الأُولى توجهت إلى القاهرة، والثانية إلى دبي.
ـ الثالث: الصور التي نشرتها صحيفة “الواشنطن بوست” للفَريق الأمني المذكور الذي حجز غرفا في فندق قرب القنصلية، ولم يقم أي من أعضائه فيها، وكانت وجوههم واضِحة فيها، فهل سيتم التحقيق مع هؤلاء من قبل المحققين الأتراك عن دورهم ومهمتهم وأسباب مغادرتهم السريعة لاسطنبول؟
ـ الرابع: إذا كانت الطائرة الأُولى حطت في مطار القاهرة والأُخرى في دبي، فأين جرى إنزال السيد الخاشقجي إذا كان نقل على متن إحداها حيا أو ميتا؟ وهل سيتم التحقيق مع سلطتي المطارين؟ ولماذا لم تطير إلى الرياض مباشرة.
ـ الخامس: السلطات التركية استدعت السفير السعودي في أنقرة مرتين منذ اختفاء “الضحية”، ولم نسمع مطلقا عن استدعاء القنصل أو الدبلوماسيين الآخرين في قنصلية إسطنبول، السؤال لماذا لم يتم طرد هؤلاء وحتى قبل بدء التحقيقات طالما أن هذه السلطات متأكدة أن السيد خاشقجي جرى قتله في السفارة حسب البيانات الأولية، على غِرار ما فعلت بريطانيا عندما أبعدت 25 دِبلوماسيا مِن السفارة الروسية في لندن إثر اتهام موسكو بالوقوف خلف محاولة اغتيال الجاسوس الروسي سيرغي سكريبال وابنته بأسلحةٍ كيماويةٍ.
جميع هذه الأسئلة تحتاج إلى إجابات من الأطراف المعنية، والسعودية والتركية على وجه الخصوص، فالسيد خاشقجي تعرض إلى جريمة خطف، وربما قتل، ومِن حق الرأي العام العالمي الذي بات قلقا من هذه التطورات أن يعرف، وإذا تأكد أنه أُحتجز، أو قتل داخل القنصلية على أيدي رجال أمن سعوديين، فلا بد مِن محاسبة جميع المسؤولين من القمة إلى القاعدة.
رفضنا منذ البداية تبني أي مِن التكهنات المتضاربة حول هذه “الجريمة”، انتظارا لمعرفة الحقائق والاطلاع على الأدلة، وأشرنا إلى العديد من المعلومات التي ثبت صحتها مثل لقاءات السيد خاشقجي مع السفير السعودي في واشنطن، وشرائه شقة في إسطنبول جرى تأثيثها لتكون عش الزوجية من خطيبته “المفترضة” خديجة جنكيز، ورغبته في الاستقرار بصورة نهائية في إسطنبول.
اليوم وصلتنا رسالة إلكترونية لا نتبناها ولا نعرف مدى صحتها، وقال مرسلها الذي لم يذكر اسمه، أن السيد خاشقجي ما زال على قيد الحياة حتى الساعة، وأنه تم اعتقاله عندما زار القنصلية السعودية، واختطافه في سيارة سوداء من قبل الضباط السعوديين الذين قدموا خِصيصا لاختطافه، وتم ترحيله إلى شاحنة تحتوي حاوِية مجهزة اتجهت إلى الميناء، وتم وضعها في باخرة تركية لتصِل إلى فندق “أجنحة الجوري” الواقع في مدينة الخفجي السعودية، وتم استنطاقه بوسائل الضغط النفسي، ولكن لم يتم تعذيبه حتى لا تظهر عليه الآثار بعد إطلاق سراحِه، ثم جرى نقله إلى معتقل سِري، وأن الملك سلمان وولي عهده على علم بالعملية.
قضية اختفاء الخاشقجي لا يجب أن تختفي من دائرة الاهتمام والمتابعة بمرور الزمن، ولا بد مِن معرفة التفاصيل الكاملة، والجهة التي وقفت خلف اختطافه، أو اختفائه، ولذلك لا بد من لجنة تحقيق دولية تضم خبراء مِن مختلف أنحاء العالم لتولي هذه المهمة تشارك فيها تركيا والسعودية أيضا، في إطار الشفافية.. وحتى تتضح النتائج، سواء من خِلال التحقيقات التي تجريها تركيا، أو اللجنة الدولية المقترحة يظل لكل حادث حديث، صَحيح أن السيد خاشقجي ليس رئيسا للوزراء، ولا رجل أعمال ثري مثل الراحل رفيق الحريري، ولكن جريمة اختطافه أو قتله، لا سمح الله، لا يجب التقليل مِن أهميتها، فالعدالة يجب أن لا تفرق بين كبير وصغير، ومهم ومن هو أقل أهمية.

تابعونا عبر تليغرام
Ad 6
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com