ممثلة الأمم المتحدة ترسم لمجلس الأمن صورة قاتمة عن العراق وتحذر من إنزلاق جديد

ممثلة الأمم المتحدة ترسم لمجلس الأمن صورة قاتمة عن العراق وتحذر من إنزلاق جديد

أدلت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق ورئيسة بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق {يونامي} جينين هينيس- بلاسخارت في اجتماع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بإفادتها حول الأوضاع الخاصة بالعراق والذي عُقد في نيويورك أمس الثلاثاء.
وقالت في كلمته الموسعة: أود أن أستهل إحاطتي بالحديث عن زيارتي مؤخراً إلى إحدى المقابر الجماعية في صحراء السماوة برفقة رئيس الجمهورية السيد برهم صالح. تمثل هذه المقبرة شهادة صارخة على جرائم صدام حسين المرعبة تجاه العديد من أبناء شعبه، وكانوا في تلك الحالة من الشعب الكردي. كانت تجربة مؤثرة بشدة، مما يؤكد مرة أخرى أن ماضي العراق الذي تميز بالعنف وغياب القانون ما زال يلقي بظلاله على حاضره. لكن تلك التجربة أوضحت أيضاً كم كان التحول في العراق من الديكتاتورية إلى الديمقراطية خارجاً عن المألوف في القرن الحادي والعشرين.
أجل، فمن أجل أن تترسخ الديمقراطية بحق، فهي تحتاج إلى الوقت…الكثير من الوقت والكثير من العمل الشاق.
سيدي الرئيس، يتوجب علينا أن نقر بأن الصراع السياسي الداخلي الجاري حالياً يمثل عقبةً مُكلفة. فبعد مرور عام كامل على الانتخابات العامة، ما زال يتعين تسمية وزراء لشغل حقائب وزارية مهمة: وهي الداخلية والدفاع والعدل والتربية، فلم تُبدِ الأحزاب السياسية حتى الآن أنها مستعدة لتقديم تنازلات.
ولكن يتعين الفهم أن التنازلات السياسية ليست دليل ضعف، بل هي في واقع الأمر دليل على النضج السياسي ومن متطلبات القدرة على التكيف.
بخطى بطيئة ولكنها واثقة يجري حالياً اختيار رؤساء ونواب رؤساء ومقرري اللجان النيابية، وكان ذلك يمثل عقبة رئيسية في طريق المباشرة بالعمل البرلماني. لم يكتمل ذلك بعد، لكن قد آن الأوان بالفعل، حيث لا تزال قوانين مهمة بانتظار التشريع.
وفيما يخص مفاوضات تشكيل حكومة إقليم كردستان، يسرني أن أعلمكم بالتقدم المهم المحرز مؤخراً. فبعد 218 يوماً من المفاوضات تم التوقيع بتاريخ 5 أيار على اتفاق تشكيل حكومة إقليم كردستان الجديدة. ولتجنب المزيد من المشاكل، يمكن أن تكون الحكومة الجديدة جاهزة في شهر حزيران.
سيدي الرئيس، لا أفشي سراً إن قلت إن السلطات والمؤسسات والآليات والمنظومات العراقية لاتزال تناضل ضد مشاكل عميقة الجذور غالباً ما أحبطت استجابات سريعة وقوية من جانب الحكومة للحاجات الملحة كإعادة الإعمار والتنمية والأمن.
ويمكن وضع مخطط لتصنيف هذه المشاكل كمجموعة من المصالح والذرائع الفردية، والتي يعود الكثير منها إلى مظالم واختلافات طويلة الأمد بين المكونات وبين الكيانات السياسية وبين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان، وقد أضحى كل ذلك مترسخاً بشكل شبكات سلطة مخفية وخاصة، تعمل باستقلالية تسعى لتحقيق أهداف ومقاصد ضيقة.
وبشكل ما، يوضح ذلك أيضاً لماذا لم يتم الأخذ بصورة كاملة بالفرص العديدة الناشئة عن الجهود المكثفة للمصالحة.
سيدي الرئيس، وفي هذا السياق، من الضروري أيضاً التطرق إلى آفة الفساد المستشرية على كافة المستويات في العراق.
فالفساد يستهلك الأموال التي ينبغي أن تصرف على الخدمات العامة ويذهب بتلك الأموال إلى جيوب خاصة بدلاً من ذلك. لكنه يمنع أيضاً الأنشطة الاقتصادية مما يعيق تطوير الأعمال الذي يمكن أن ينتج عنه عملية ايجاد وظائف تمس الحاجة اليها.
وكما أعلنت في إحاطتي السابقة إلى مجلس الأمن، فإنه لمن المشجع انخراط الحكومة الواضح في التصدي لهذا الأمر.
لقد أوضح رئيس الوزراء السيد عادل عبد المهدي على نحو جلي بأن “الفساد يشوه صورة الدولة وسمعتها على الصعيدين المحلي والدولي”. وهذا صحيح تماما في الواقع. فالفساد لا يشكك في مصداقية العراق فحسب، بل في مقومات استمراره واستجابته وفعاليته كذلك.
إن التغيير لن يأتي بين ليلة وضحاها، لذا فمن المهم تسليط الضوء على قضية الفساد مراراً وتكراراً. إن تحقيق نتائج ملموسة سيكون أمراً حاسماً من عدة جوانب والأهم من ذلك أنها ستعيد ثقة الشعب والتي تعد عاملاً أساسياً للمزيد من التطوير للنظام الديمقراطي في العراق.
سيدي الرئيس، إن القطاع النفطي هو عماد الاقتصاد العراقي، مع وجود إمكانات نفطية هائلة فيه لم تستكشف بعد. ولكن لتحقيق ذلك هناك تحديات مهمة يتعين معالجتها.
وهنا أيضا وباختصار: ينبغي أن ترجح كفة الصالح العام على المصالح الخاصة أو الحزبية مما يمكن البلاد بأكملها من الاستفادة. وبناء على ذلك، أتطلع إلى تجدد الانخراط في القوانين المهمة المتعلقة بالنفط والغاز وتقاسم الإيرادات.
السيد الرئيس، هناك أمر آخر وهو أنه لا يمكن للعراق تحقيق إمكاناته الكاملة إلا من خلال المشاركة السياسية والاجتماعية والاقتصادية الفاعلة للمرأة والشباب.
وقد شهدنا ونظمنا وشاركنا مؤخراً في العديد من الفعاليات المتعلقة بالمرأة والشباب في جميع أنحاء البلاد. وبالرغم من كونها تجارب مفيدة لكل من شارك فيها، إلا أنني أود أن أحذر من التغيير الذي يكون مجرد إجراء شكلي.
فالأمر يتعلق في نهاية المطاف بترجمة النوايا الممتازة إلى عمل إيجابي. ومن المؤسف أن العراق لم يعين بعد أول وزيرة.
وفي سياق آخر لكنه وثيق الصلة بالنساء والفتيات: هناك قانون مكافحة العنف الأسري. وهي قضية حساسة ومهمة في ذات الوقت للعراقيين. وأود أن أشيد بالقيادة العراقية لاتخاذها خطوات مهمة نحو سن هذا القانون.
حيث يقدم هذا القانون الحماية الكاملة للحقوق القانونية واحتياجات المأوى لكافة ضحايا العنف الأسري. وأنا أعني كافة الضحايا: ليس فقط النساء والفتيات.
وآمل بصدق أن يمضي المشرعون قدماً بهذا القانون بما يتفق مع الدستور العراقي الذي يمنع كافة أشكال العنف والاعتداء داخل الأسرة.
السيد الرئيس، في سياق مختلف تماماً ويبعث على التفاؤل: بغداد تتفتح. فقريباً جداً لن تكون هناك منطقة خضراء. حيث حقق رئيس الوزراء عادل عبد المهدي وعده من اليوم الأول بإزالة جدران الحماية الخرسانية وإعادة المدينة لأهلها.
إلا أن الوضع الأمني سيظل في حاجة إلى مراقبة دقيقة، ليس فقط في بغداد بل في جميع أنحاء البلاد. إذ تستمر الهجمات، كما شهدنا في الانفجارات والهجمات الانتحارية مؤخراً.
وهناك أمر آخر ذو صلة وثيقة بهذا الموضوع: لا يزال تهديد داعش قائماً. وكما قال أحد ممثلي التحالف: إن داعش يظهر مجدداً. لقد استراح وتحرك وهو الآن نشط.
وفي هذا السياق، أدرك تماماً أهمية استمرار الدعم الدولي واسع النطاق. هذا الدعم الذي يضمن أن يترك العراق الماضي العنيف خلفه ويضمن ألا ينزلق العراق مرة أخرى إلى الاضطرابات التي خرج منها مؤخراً.
وبعبارة أخرى: لكي نمنع داعش من استعادة موطئ قدم قوي في العراق من الضروري أن يكون هناك نهج طويل الأمد.
وبنفس القدر من الأهمية، سيادة الرئيس، هناك قضية مقاتلي داعش العائدين من سوريا إلى العراق مع عائلاتهم.
إن عودة آلاف وآلاف من الأشخاص العراقيين وغير العراقيين لا تثير المخاوف المتعلقة بالأمن والقدرات فحسب، بل أيضاً مخاوف إنسانية وذات صلة بحقوق الإنسان. وكل ذلك ليس مشكلة عراقية فقط.
فنحن نعرف أن بعض الدول تفضل الاحتفاظ “بمسافة استراتيجية” فيما يتعلق بمواطنيها. ولكن مرة أخرى للتوضيح: هذه ليست مشكلة عراقية فقط. وإذا تمت إدارتها بشكل سيئ سيؤثر ذلك علينا جميعاً في المنطقة وأبعد من ذلك.
إضافة إلى ذلك، إذا لم نعالج هذه المسألة على نحو ملائم فإننا نخاطر بإيجاد أرض خصبة لجيل جديد من الإرهابيين.
والآن، هناك هاجس أمني بارز وهو قضية الجهات المسلحة التي تعمل خارج سيطرة الدولة وتنخرط في أنشطة غير قانونية أو إجرامية وتمارس تأثيراً اقتصادياً واجتماعياً في جميع أنحاء البلاد.
ومن الواضح أن أنشطة هذه الأطراف تقوض سلطة الدولة وتؤثر على المجتمعات المستضعفة وتضعف الاقتصاد الوطني وللأسف تمنع العودة السلمية للنازحين.
في محادثاتي مع الحكومة العراقية رحبت بإجراءات معينة، مثل غلق ما يسمى بالمكاتب الاقتصادية غير المشروعة. ولكن الطريق سيكون بالتأكيد طويلاً. وبالتالي، سيكون من الأهمية بمكان مساءلة كل المجاميع المسلحة التي تقوم بأعمال إجرامية أو نشاط غير قانوني.
وعلى نطاق أوسع، أرحّب بالجهود التي تبذلها الحكومة في إصلاح القطاع الأمني. ومع ذلك، لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين القيام به. ويعتبر إعادة تشكيل ” هيكل الأمن القومي ” ذا أهمية خاصة. وهذا يشمل على وجه الخصوص وضع قوات الحشد الشعبي المستقبلي، وإصلاح البيشمركة في قوة أمنية إقليمية واحدة.
السيد الرئيس، مثلما رأينا خلال الصيف الماضي في التظاهرات التي انطلقت في جنوب البلاد، … يمكن لنقص المياه في العراق إشعال الاحتجاجات الاجتماعية. وهي مشكلة إذا لم يتم معالجتها يمكن أن تبدد أية مكاسب تم تحقيقها.
وعلى الرغم من أن هذا الشتاء الماضي شهد هطول أمطار غزيرة – بما في ذلك فيضانات كارثية واسعة النطاق – فأن الاعتماد البسيط على الأمطار الغزيرة ليس استراتيجية وطنية قوية للمياه.
وفي زمن التغيير المناخي الحاد، يكون التخطيط بعناية لجميع الظروف الجوية القاسية ذا أهمية قصوى. وبالتالي وضع برنامج شامل لخزن المياه وإدارتها. ولكن أيضا لتعزيز البنية التحتية للبلاد والاستعداد بشكل أفضل للفيضانات.
السيد الرئيس، يسّرني أن أعلن أن القيادة العراقية تواصل حواراتها مع النظراء الدوليين والإقليمين لتثبت نفسها على أنها شريك موثوق ومتمكن.
وبالفعل، يمكن للعراق أن يكون عامل استقرار في منطقة مضطربة. وبدلاً من أن يكون ساحة للصراع، يمكن للعراق أن يوفر مساحة للمصالحة الإقليمية ويمهد الطريق لحوار أمني إقليمي.
في الوقت نفسه، لا يمكننا تجاهل أن العراق يواجه تحديات خطيرة في منع أراضيه من أن تصبح مسرحًا لمنافسات مختلفة.
لذلك، لكل من يشعر بالتحدي أقول: إن فرض عبء إضافي على العراق هو حقاً آخر شيء يحتاجه هذا البلد.
السيد الرئيس، في 29 نيسان بدأت الأمم المتحدة خطة الاستجابة الإنسانية لعام 2019، تماشيا مع الخطط الإنسانية للعراق.
ولا تزال الاحتياجات الانسانية كبيرة. اذ يستمر الكثير من المواطنين النازحين بمواجهة عراقيل خطيرة تعترض عودتهم إلى ديارهم. وتشمل هذه العراقيل: نقص الوثائق المدنية … وضع أمني غير مستقر بسبب المصادمات بين الجماعات المسلحة فضلا عن مضايقات نقاط التفتيش … وهي تشمل أيضاً المنازل المتضررة والملوثة … وعدم كفاية الخدمات الأساسية … بالإضافة الى تعرضهم الى التمييز. وبعبارة أخرى: العراقيل متنوعة ومعقدة ومتشابكة، نتج عنها للأسف توقف في حركة عودة النازحين الى ديارهم.
بالإضافة إلى جهودنا الإنسانية، نواصل تقديم الدعم لجهود تحقيق الاستقرار وإعادة التأهيل في أكثر المناطق تضررا في مرحلة ما بعد داعش.
وقد بلغ صندوق تمويل الاستقرار لدينا مرحلة رئيسية من خلال إعادة تأهيل أول 1000 وحدة سكنية من أصل 15000 منزل مخطط لإعادة تأهيلها في مدينة الموصل القديمة. وجاء هذا المنجز استكمالاً للنجاحات السابقة في إعادة تأهيل المساكن في محافظة الانبار، حيث تم بالفعل إعادة تأهيل الآلاف من المنازل.
بالإضافة إلى ذلك، أكمل صندوق تمويل الاستقرار إعادة تأهيل العديد المنشآت، مثل جامعة الموصل – التي تستضيف حاليا أكثر من 20000 طالب. وأيضاً تم ترميم جسر رئيسي ثالث في غرب الأنبار، ما يسمح لأكثر من 75000 شخص بالحصول إلى الخدمات الأساسية، مثل المستشفيات والمدارس.
السيد الرئيس، دعوني أنتقل الآن إلى قضية المفقودين الكويتيين ورعايا البلدان الأُخرى والممتلكات الكويتية المفقودة، ومن ضمنها المحفوظات الوطنية.
وأود هنا أن أشكر الدول الأعضاء في الآلية الثلاثية الأطراف لتوفير صور الأقمار الصناعية التي، بالإضافة الى افادات الشهود، كان لها دورا حيويا في تحديد المواقع المحتملة لمفقودين كويتيين.
فبعد سنوات من العمل الشاق من قبل الكثيرين، وبهذه المناسبة أود أن أثني على الجهود التي بذلتها مؤخرا وزارة الدفاع العراقية على وجه الخصوص. وآمل بصدق أننا سوف نتمكن من الإعلان عن نتائج إيجابية في وقت قريب.
من الواضح، انه من المهم أن يواصل العراق جهوده، بما في ذلك تحديد موقع المحفوظات الوطنية وغيرها من الممتلكات الكويتية. ونحن جميعا ندرك أهميتها باعتبارها جزءً لا يتجزأ من التراث الوطني الكويتي.
السيد الرئيس، أود أن أختتم بالإشارة الى زيارتي الأخيرة الى سنجار، والتي تجمع بين كثير من النقاط التي أثرتها تواً. ففي سنجار، رأيت دمارا فظيعاً. لقد كان ذلك ما فعله داعش قبل خمس سنوات مضت.
وللأسف، لم تحدث تغييرات تذكر منذ تحرير سنجار. ولا يزال الكثير من الناس يعيشون في خيم على الجبل الذي هربوا اليه مع بداية الحملة الإرهابية.
وفي شهر آب، سيُحيي العالم ذكرى الأحداث المروعة التي وقعت قبل خمس سنوات. إلا أن وجودَ إدارةٍ واحدةٍ وتوفيرَ الأمن كأساس لإعادة إعمار سنجار لم يتحققا بعد.
وبصراحة، فإن استمرار الفشل في تحقيق ذلك هو اجحاف واضح. يتوجب على القيادة العراقية في كل من بغداد واربيل التحرك الآن بشكل عاجل وحاسم.
وفي الختام، السيد الرئيس، نعم، ان التحديات التي تواجه العراق هي تحديات متشعبة، بيد إنه ازاء كل هذه التحديات أود أن أعرب – مرة أخرى- عن التزامنا المستمر والقوي بالمساعدة والدعم حيث يمكننا ذلك.
لقد صرح الرئيس برهم صالح في وقت قريب جداً بأن الوضع في العراق ليس جيداً لأن الشعب العراقي يستحق أفضل من ذلك بكثير. ومع هذا، فإن الوضع يتجه نحو التحسن. وهذا سيستغرق بعض الوقت. ولكننا سوف ننجح بعزم كبير وعمل منسق وحاسم، كما قال. وكم هو محق في قوله.

تابعونا عبر تليغرام
Ad 6
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com