زيارة العبادي لواشنطن… ومآرب عصا موسى

زيارة العبادي لواشنطن… ومآرب عصا موسى

حل رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي ضيفا على البيت الأبيض، وهو تحت محط أنظار أصدقائه وخصومة في العراق وتركيا وإيران وسوريا والخليج، فهي الزيارة الأولى التي يتوجه فيها العبادي الى واشنطن بدعوة مباشرة من الرئيس الجديد ترامب ، مع ملاحظة ان زيارة العبادي أتت بعد زيارة هامة جدا لولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وصفت بالناجحة، وهذا يعني ان إدارة ترامب قد استمعت بعمق للسعودية فيما يتعلق بشؤون المنطقة واحيطت علما بما تريده أو تأمله السعودية أو محورها أولا، ثم سيستمع البيت الأبيض لما يقوله العراق داخليا وإقليميا.

أتسمت مواقف الرئيس الأمريكي ترامب بالتخبط مقدما تجاه العراق من خلال مجموعة من التصريحات والمواقف غير الناضجة والتي تعامل معها العبادي على كونها غيمه عابرة ناتجة عن حداثة عهد ترامب بالموقع الجديد، وبالفعل فقد تحول التخبط الترامبي الى نوع من العقلائية والهدوء في التعاطي مع الشأن العراقي كان مؤشره هو رفع اسم العراق من قائمة الدول الإسلامية السبع الممنوع مواطنيها من دخول الأراضي الأمريكية، وزيادة الدعم القتالي الأمريكي ضمن التحالف الدولي ضد داعش أو في تسليح وتدريب القوات العراقية أخيرا، ناهيك عن زيارة وفود أمريكية مختلفة لبغداد وهي تؤكد على زيادة وتيرة العلاقة آنيا ومستقبلا.

هذا التغير في الموقف الترامبي معناه ان مؤسستي البنتاغون والخارجية الأمريكيتان قد نجحتا في تكييف مواقف الرئيس ترامب تجاه العراق، ومعلوم ان هاتين المؤسستين تتصديان للتعامل مع العراق مباشرة ، وهذا المعنى بحد ذاته جيد للعراق وللمنطقة أيضا باعتبار ان البنتاغون والخارجية ينخرطان بعمل منظم مع العراق منذ الإحتلال ولديهما اطلاع ومعرفة موسعة بالعديد من الجوانب العامة والخاصة وبقائهما في وضع التعامل المباشر للعراق افضل بكثير من استبدالهما بجهات او مؤسسات اخرى لاتملك الخبرة الكافية في التعامل مع العراق.

ترامب والعبادي… الداخل والخارج

لم تتضح لحد الآن أبعاد ستراتيجية الرئيس ترامب في التعامل مع الشرق الأوسط عموما إلا بمقدار عام مظهره زيادة الضغط على إيران وتركيا والأكثار من الحديث والإتصال بزعماء الخليج وإسرائيل، لكن بالضبط لايمكن التثبت من وجود ستراتيجية مكتملة بدأ الرئيس ترامب يعمل عليها وهذا معناه أن إدارة البيت الأبيض لازالت وهي في بداية العهد تعد ستراتيجيتها التي يمكن ان تكون جاهزة وواضحة خلال فترة قليلة قادمة وان عملية الاستماع والحديث والتباحث مع قيادات المنطقة ودعوتها لواشنطن هي جزء من برنامج صياغة وإعداد الستراتيجية بعد الإستماع والتفهم ومعرفة مايدور بخلد قادة بعض الدول حول أزمات الداخل والخارج.

من هنا تأتي أهمية زيارة العبادي الى واشنطن بكونها زيارة إقناع وتأثير على صاحب الطبخة وهو قيد الإعداد لها، فالعبادي وأسلوبه في الإقناع وطريقته في التأثير سيكون لها دور حاسم في هذا اللقاء في قضايا العراق الداخلية وفي رؤيته لما يجري في المنطقة وكيفية إنعاكاسات مواقف الدول الإقليمية عليه، وبكل تأكيد سوف لن تكون مهمة سهلة باعتبار ان مظاهر الستراتيجية الترامبية غير المكتملة والتي اشرنا الى ملمحها أعلاه هي ستراتيجية محاور خشنة تقترب من عواصم أزمة وتبعد عن عواصم كبيرة اخرى، واذا ما اراد البيت الابيض للعبادي ان ينسجم مع هذه الستراتيجية فهي مشكلة كبيره للعراق وللعبادي شخصيا، وإذا ما استطاع العبادي في أن يحجز لرأيه الداخلي والخارجي المتوازن مكانا في مساحة أوراق الرؤية الترامبية، فهذا معناه بأنه قد حقق تقدما ايجابيا هاما على صعد مختلفة.

العبادي واثقا في البيت الأبيض

وصل العبادي الى البيت الأبيض وهو يمتلك شيء من الثقة، فالقوات العراقية والحشد الشعبي حققا انتصارات أبهرت واشنطن والعالم، والوضع الإقتصادي ضعيف لكنه متماسك وفيه مؤشرات نمو، وعلاقاته ببقية الأطراف الداخلية جيده وليست محل تذمر، وعلاقاته الإقليمية بالعواصم الكبرى ( طهران ـ أنقره ـ الرياض ) مقبوله وتنمو بشكل تدريجي، وغيرها من العوامل الأخرى التي ستساعده على ان يتحدث بنوع من الإطئمان والثقة بالنفس في شرح الواقع الداخلي والخارجي وأهمية أخذ رؤية العراق في الحسبان إثناء وضع الستراتيجية الكلية لاحقا.

العبادي في البيت الأبيض العراق والرئاسة

مما تقدم ستكون لهذه الزيارة أهمية قصوى للعبادي تحديدا، وبمقدار مقدرته على الإقناع سيكون مشاركا في تجنيب العراق تداعيات اية أزمات قادمة يمكن ان تفكر بها إدارة ترامب التي تميل للخشونة في التعامل مع عواصم المنطقة ومراكز صنع القرار فيها.

وبمقدار مقدرته على التاثير سيتحكم بمواقف البيت الأبيض تجاه العراق ما بعد داعش وكيفية صنع المستقبل القادم والحفاظ على وحدة العراق وإقناع البيت الأبيض في الإستمرار في العمل معه ومع بغداد كعاصمة مركزية وكرؤية عراقية وطنية شاملة بعيدا عن أية برامج يخطط لها البعض داخليا أو مدعومة من الخارج تريد تقسيم العراق أو إبقاءة ضعيفا بعيدا عن دائرة التأثير الإقليمي.

وبمقدار نجاحه في هذه الزيارة سيكون مستقبلة في الرئاسة مضمون أيضا ، فالعراق على أبواب انتخابات قادمة وقد لا تتوفر فرصة لزيارة أخرى لواشنطن او لقاء آخر مع ترامب، واذا ما نجح العبادي في إقناع البيت الأبيض وإدارة ترامب بقوة شخصة وأداه فهو سينجح في تثبيت أقدامه أيضا وزيادة حظوظه الشخصية في دوره ثانية، باعتبار ان النجاح في الملفات الداخلية والحصول على تعاطف عواصم الأقليم وواشنطن يعني بالمحصلة توافق دولي إقليمي على الدورة الثانية.

أذن فزيارة العبادي لواشنطن فيها مآرب كثيره وستكون كعصا موسى عليه السلام : (قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَىٰ غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَىٰ) طه 18.

تابعونا عبر تليغرام
Ad 6
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com