غزوة ترامب

غزوة ترامب

لأول مرة بعد نهاية الحرب الباردة، تظهر الولايات المتحدة ضعيفة أمام روسيا، فحين تسلّم الرئيس الجديد ترامب منصبه، لاحقته تهمة تدخل روسيا في نجاحه الانتخابي، ثم اندلعت معارضة ثقيلة توجّه له اتهامات شديدة، وانتقادات مزعجة من قطاعات واسعة من الاعلام والشعوب.

ورافق ذلك التحولات الميدانية في سوريا، فكان تراجع الجماعات الإرهابية يُنظر اليه على أنه تزايد في نفوذ روسيا، في مقابل تراجع أميركا. وهذا ما عزز صورة بوتين كقائد عالمي أول، تاركاً فاصلة واسعة بينه وبين ترامب، وكان هذا لوحده كافياً لأن يجعل من الولايات المتحدة تبدو كقوة تتراجع.

لم يكن قرار ترامب بتوجيه ضربته العسكرية لسوريا، قرار رئيس أميركي على شاكلة الرؤساء السابقين، كان قرار رجل باحث عن نجومية، وجد أن منافسه التقليدي تفوق عليه، فحاول اللحاق به، فكان ذلك بالعدوان الصاروخي على مطار الشعيرات قرب حمص.

كانت الخطوة مستعجلة، ولم يكن ذلك بدافع الانفعال والخروج عن المعقول، إنما أرادها ترامب ان تكون كذلك، لقد تعمد أن يأخذ دور الرئيس الأميركي الذي يختلف عن سابقيه، وأنه صاحب المفاجآت التي لا يمكن التنبؤ بها.

يقدّم دونالد ترامب نموذج الرئيس الخارج عن المألوف، وتلك هي الصورة التي يحرص ان يظهر بها أمام العالم، وأن يكون متفرداً بها.

مشكلة ترامب أنه جاء بعد فترة بوش صاحب القوة الأميركية الفتاكة التي احتلت أفغانستان والعراق بعد تشكيل تحالف دولي فرضه فرضاً على المجتمع الدولي، وانه جاء بعد فترة باراك أوباما الأكاديمي الهادئ الذي يعمل في الخفاء ويحرك الأمور بصمت، وبذلك وجد ترامب نفسه أنه سيكون شخصية مستنسخة فيما لو سلك منهج بوش، أو اعتمد طريقة أوباما، وهو أمر لا ينسجم مع تركيبته الشخصية الاستعراضية، فاتخذ لنفسه نموذج الرئيس الذي لا يمكن توقع خطواته بلغة المنطق وحسابات العقل.

في دولة كبرى كالولايات المتحدة، لا يُترك الرئيس يقرر لوحده المسائل الخطرة مثل الحرب والضربات العسكرية، لكنه يتمتع بمرونة الأسلوب والطريقة، فدعم الإرهابيين والإبقاء عليهم، مسألة لا يمكن ان تتنازل عنها الولايات المتحدة، إنهم سلاحها وسلاح اتباعها في المنطقة، فكيف تفرط بهم بهذه السهولة، والمنطقة غير محسومة المستقبل؟

وكيف تفرّط الولايات المتحدة بالجماعات الإرهابية، وفي المنطقة مشاكل قائمة في العراق وسوريا واليمن، كما ان هناك حزب الله وايران، والأهم من ذلك امامها روسيا الزاحفة بقوة والتي فرضت نفسها كقوة مساندة لمحور المقاومة.

أرادت واشنطن أن تحذّر موسكو، وأن تُعبّر لها أن الولايات المتحدة هي الولايات المتحدة نفسها لم تتغير، وكان شكل التنفيذ متروكاً لترامب، فوجدها الفرصة التي يُحقق فيها شخصيته الاستعراضية. لكن من سوء حظه أن الطرف المقابل هو بوتين الذي يستند الى تاريخ من العمل المخابراتي الطويل وعلى تجربة سياسية ناجحة على مدى سنوات، فهو يعرف متى يغضب ومتى يهدد ومتى يلين، لقد فعل ذلك مع أردوغان من قبل ونجح، وسينجح في تكرارها مع ترامب.
الكاتب سليم الحسني

تابعونا عبر تليغرام
Ad 6
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com