ما الغاية من الثقافة ؟

ما الغاية من الثقافة ؟

للثقافة قيمة اجتماعية وعالمية وبشرية. فالأمة التي تؤكد ثقافتها وتستحيل الى قواعد واساليب يركد مجتمعها وتقف جامدة بعيدة عن الرقي. وقد حدث هذا في القرون الوسطى. بل ان هذه الحالة لا تزال قائمة ايضا في بعض الامم الزراعية في آسيا وافريقيا الذين لا يعرفون في هذا الوسط طرقا جديدة للتطور. ان هذا العجز يحدث جمودا في الثقافة والحضارة وقصارى ان نجد في الوسط الزراعي ثقافة دينية تقليدية وادابا سلوكية.

ولكن اذا كانت الامة تمارس التجارة او الصناعة التي تمتد الى اقطار بعيدة، فان الاختلاط بالامم الاخرى ينبه الامة ويبعث الحيوية في الثقافة العالمية. وعندما نتأمل القرون المظلمة في اوربا بين 500- و1000 بعد الميلاد نجد انها رجعت الى ثقافة زراعية دينية بعد ما كانت في زمن الرومان ثقافة مزدهرة بفضل رواج التجارة العالمية المتواصلة بين اوربا وآسيا من جهة وبينها وبين افريقيا من جهة ثانية.

ولا شئ احسن من الصناعة في رواج الثقافة، فليس هناك سلاح امضى عند الامم الامبراطورية حين تريد ان تحكم شعبا وتستغله وتبقيه في جهالة ابدية من ان تحرمه من الصناعة وتقصر نشاطه على الزراعة. لان العلوم العصرية عندئذ لا تجد السوق التي تكسبها الثمن الجيد وتبعث المنافسة على تعلمها، ثم ان حرية الفكر تنمو في الوسط الصناعي لان قاعدته الابتكار والمعارف وهي تموت في الوسط الزراعي لان عدته التقاليد والعقائد والسنن.

علينا ان نبرز الفوائد التي تعود عليه من الثقافة حتى يجد في هذه الفوائد الحوافز الى الدرس واقتناء الكتب. فنحن نثقف عقولنا كي نجعل العمر البيولوجي يمتد الى العمر الجيولوجي اي ان العمر الذي لا يتجاوز 70 او 80 في احسن الاحوال يعود بالدراسة وكأنه مليون عام. نثقف عقولنا بدرس المشكلات العالمية والوطنية كي نقف على – العقل العام – ونشترك فيه فنميز بين هذه المشكلات بدراستنا او نحمل لواء الكفاح في حلها وتغيير المجتمع حتى يزول المرض والجهل والفقر والتعصب. وهذا العقل العام يجعلنا اناسا لنا اهتمامات لما يجري في نيويورك وبرلين وموسكو وبكين ونيو دلهي، مثلما يجري عندنا في بغداد.

وبعد هذا يجب ان نتذكر انك ستصل يوما ما الى الشيخوخة وعلى الرغم من كل ما يقال، ليس شيء في هذه الدنيا اسوأ من الموت سوى الشيخوخة المتهدمة المريضة الجامدة. وخير وسيلة نستعد بها للشيخوخة هي الثقافة. فيجب على كل منا ان نمهد الطريق الذي سيسير عليه في المستقبل حين يتجاوز الستين. فاذا كنا قد عنينا ايام الشباب باعتناق الثقافة واعتياد الدراسة، فاننا ندخل في طور الشيخوخة ومسام عقولنا مفتوحة، لنا عشرات من الاهتمامات الاجتماعية والاقتصادية والفلسفية والعلمية والادبية. بل ربما تكون الثقافة قد اختمرت وتبلورت الى عمل خلاق، يجدد الحياة في الانسان الهرم فتنتفع به الأمة من نشاطه الناضج، كالكتابة مثلا. وما اهنأنا شيخوخة عندما ينظر احدنا وقد بلغ المرحلة الاخيرة في فهرس حياته فيجد العناوين البارزة لما قام به من دراسة وكفاح حتى تكونت له شخصية ناضجة مؤلفة من الاستقلال الروحي وبالاستمتاع الفني.

وما اتعسها شيخوخة يقضيها احدنا في المرض والجهل والجمود كانه قد قطع صلته بالعالم، وعندما يقال من وظيفته في الستين وكأنه قد اقيل من الحياة كلها. فهو في الحقيقة ميت قد تأخر دفنه. وذلك لانه لم يثقف عقله ايام الشباب كما لم يغرس في نفسه اهتمامات حيوية تغذي شيخوخته وتحي عواطفه وتنبه ذهنه وقد قال احد الحكماء يوما:

في الجهل قبل الموت، موت لأهله فأجسادهم قبل القبور قبور

* التثقيف الذاتي لسلامة موسى مع اضافة لكاتب السطور

د. رضا العطار

تابعونا عبر تليغرام
Ad 6
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com