إدمان الأركيلة الإلكترونية.. مرض صامت يغزو شباب العراق

مع تسارع وتيرة الحداثة وانتشار الوسائل الإلكترونية، باتت الأركيلة الإلكترونية المعروفة باللغة الإنجليزية باسم “فيب Vape” تجذب فئات واسعة من الشباب في العراق، خاصة من هم في أعمار المراهقة وبداية العشرينيات، نكهات مغرية وتصاميم جذابة تسوّق لها كبدائل آمنة للتدخين، بينما تغيب الرقابة وتتزايد التحذيرات الصحية والنفسية.
لكن خلف هذه الصورة الملوّنة، تختبئ معاناة لا يراها كثيرون.
قصة علي.. الاسترخاء الذي قادني إلى الإدمان
علي البالغ من العمر 19 سنة من محافظة بغداد هو أحد ضحايا الإدمان على الأركيلة الإلكترونية يقول لشبكة “الساعة”: “في السادسة عشرة من عمري، بدأت أرتاد مقهى مع أصدقائي في بغداد، وهناك تعرّفت على الأركيلة الإلكترونية، شكلها الأنيق ونكهاتها مثل التوت الأزرق أغرتني بتجربتها ومن أول نفَس، أحسست بنشوة واسترخاء لم أكن أعرفها من قبل”.
وأضاف: “أصبحت أتناولها يومياً دون التفكير في أضرارها وبعد فترة ظهرت تقرحات في فمي، وأصبحت أعاني من صعوبة في تنظيف أسناني، أدمنت عليها ولم أعد قادرًا على تركها، واليوم أعيش صراعًا داخليًا يوميًا، أحاول أن أستعيد توازن حياتي”.
الأسباب الاجتماعية وراء الانتشار
من جانبها أوضحت الباحثة الاجتماعية رقية سلمان لشبكة “الساعة” أن “انتشار الأركيلة الإلكترونية بين الفئة العمرية من 15 إلى أواخر العشرينات بات مقلقًا”، مؤكدة أن “الظاهرة تحولت إلى إدمان تعلقي، خاصة مع غياب رقابة الأسرة، وانشغال الأهل عن أبنائهم، وافتقار العراق إلى أنظمة رقابية فعالة في هذا المجال”.
وأضافت سلمان: أن “التطور التكنولوجي الذي يُفترض أن يكون نعمة، بات نقمة في بعض الأحيان، خاصة حين يُستغل تجاريًا دون وعي مجتمعي”، مبينةً أنه “من الضروري تفعيل دور الجهات المعنية سواء في المدارس أو أماكن العمل لتقديم التوعية اللازمة، والحفاظ على شبابنا من التدهور النفسي والصحي، والابتعاد عن القيم الدينية التي تشكّل ركيزة مهمة في التربية”.
أضرار نفسية عميقة.. الإدمان لا يتوقف عند الجسد
بدورها أوضحت أخصائية علم النفس الدكتورة بتول عيسى لشبكة “الساعة” أن “الإدمان على الأركيلة الإلكترونية لا يقتصر على الأضرار الجسدية، بل يترك آثارًا نفسية خطيرة”، مشيرةً إلى مجموعة من المخاطر، منها:
القلق والاكتئاب نتيجة الاعتماد على الأركيلة كوسيلة للهروب من الضغط النفسي.
تقلبات المزاج بفعل المواد الكيميائية التي تؤثر على الدماغ.
العزلة الاجتماعية، حيث يفضّل المدمن البقاء بمفرده.
ضعف الأداء الدراسي والمهني، نتيجة فقدان التركيز والانشغال المستمر.
الاعتماد النفسي الذي يجعل من الإقلاع عنها أمرًا في غاية الصعوبة.
وتقترح عيسى خطوات للعلاج، تبدأ بــ :
الاعتراف بالمشكلة.
طلب مساعدة مختصين في الصحة النفسية.
الانضمام إلى برامج العلاج السلوكي المعرفي.
ممارسة تقنيات الاسترخاء مثل التأمل واليوغا.
استبدال الإدمان بأنشطة وهوايات مفيدة.
الاعتماد على دعم الأهل والأصدقاء.
تحذيرات طبية.. السم في النكهة
ويحذر طبيب الأسرة الدكتور علي أبو طحين من خطورة الأركيلة الإلكترونية، قائلًا لـشبكة “الساعة”، إنه “رغم تسويقها كبديل آمن للسجائر، إلا أن المعطيات الطبية تشير إلى أن هذه المنتجات تحتوي على مواد ضارة جداً، بعضها يسبب التهابات رئوية حادة، وبعضها يحتوي على النيكوتين أو بدائل كيميائية خطرة”.
وأوضح أنه “يحظر تمامًا استخدامها من قبل الأطفال، والمراهقين، والنساء الحوامل، وكبار السن”، مشيراً إلى أن “هناك اعتقاد خاطئ بأنها غير ضارة، وهذا الاعتقاد خطير”.
وطالب أبو طحين وزارة الصحة بـ”التحرك الفوري لمنع دخول هذه المنتجات إلى العراق، خصوصًا وأنه لا توجد رقابة فعلية على مكوناتها”.
دعوات دولية للتحرك
وبحسب أطباء وخبراء عالميين، بات من الضروري اتخاذ إجراءات حازمة لمنع تعاطي الأركيلة الإلكترونية، خاصة في ظل ارتفاع استخدامها بين الأطفال والمراهقين وتشير دراسات حديثة إلى أن من يتعاطى هذه الأركيلة في سن مبكرة، يكون أكثر عرضة بثلاثة أضعاف للانتقال إلى تدخين السجائر العادية لاحقًا.
وبين المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، الدكتور تيدروس أدهانوم غيبريسوس، إنه “يتم استدراج الأطفال إلى تعاطي السجائر الإلكترونية منذ سن مبكرة، وقد يصبحون مدمنين على النيكوتين”، داعياً الحكومات إلى أن “تتخذ إجراءات صارمة لحماية شبابها”.
وأضاف أن “السجائر الإلكترونية تستهدف الأطفال عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتُعرض بأكثر من 16 ألف نكهة، مستخدمة تصاميم كرتونية جذابة، وهناك ارتفاع مقلق في معدلات استخدامها بين الشباب، حتى أنها تفوقت على معدلات التدخين بين البالغين في عدة دول”.
ضررها على الفم يتجاوز السجائر التقليدية
وفي دراسة أجرتها كلية كيك للطب في جامعة كاليفورنيا الجنوبية، تبيّن أن السيجارة الإلكترونية تُلحق ضررًا بالحمض النووي الموجود في الفم بنسبة أعلى من السجائر العادية.
وأظهرت الدراسة أن “الضرر الناتج عنها يبلغ 2.6 ضعف الضرر عند غير المدخنين، مقارنة بـ 2.2 ضعفًا لدى مدخني السجائر التقليدية”.
وتشير الدراسة أيضًا إلى أن “مدة وكمية الاستخدام تلعب دورًا كبيرًا في حجم الأضرار، حيث تتسبب في تلف خلايا الفم الظهارية، ما قد يؤدي لمشاكل صحية خطيرة على المدى البعيد”.