كيف يفقد العراق مليارات الدولارات بسبب تعطيل قانون التعدين؟

كيف يفقد العراق مليارات الدولارات بسبب تعطيل قانون التعدين؟

بلاد الرافدين المعروفة بأرض السواد نسبة إلى كثافة الغطاء النباتي والخيرات التي يتمتع بها العراق، الذي لم تقتصر أراضيه على المساحات الزراعية وحسب بل كانت ولا تزال أرضاً خصبة بالثروات المعدنية، فإضافة إلى احتلاله المرتبة الخامسة عالمياً باحتياط نفطي مقدر بـ145 مليار برميل وآخر من الغاز الطبيعي بـ132 تريليون قدم مكعبة، يزخر باطن أراضيه بثروات لا تقدر بثمن.

على الحدود السورية وتحديداً في منطقة عكاشات العراقية تتركز حقول الفوسفات التي تعتبر أكبر مناجم للفوسفات في بلاد الرافدين باحتياطات تقدر بـ7 مليارات طن، حيث كانت هذه الحقول مستثمرة في ثمانينيات القرن الـ20 إلا أن الحصار الاقتصادي الذي فرض على العراق عام 1991 إثر غزوه الكويت أدى إلى توقف عمليات التصدير واقتصار الإنتاج على الاستخدام المحلي.

وفي منطقة المشراق 45 كيلومتراً في مركز محافظة نينوى هناك حقول كبريت المشراق التي كانت مستثمرة من قبل وزارة الصناعة في سبعينيات القرن الماضي، وتشير التقديرات إلى أن ثلثي الكبريت في العالم موجود في هذه الحقول. والكبريت له استخدامات مهمة منها الصناعات الدوائية والبارود والأسمدة والمبيدات وتعفير الحبوب الزراعية، إلا أنه لم يستثمر بالصورة الكبيرة.

ولم تقتصر ثروات العراق على المخزون في باطن أراضيه، فرماله تدخل في مجالات الصناعة لإنتاج الزجاج، فتزخر أراضي النجف والأنبار بخامات جيدة من رمال السلكا وهي موارد طبيعية لصناعة الزجاج وكذلك الزجاج الملون في احتياط يقارب مليار قدم مكعبة.

وعند الحدود السعودية في منطقة السماوة تتركز أجود أنواع أحجار الكلس في العالم، مما دفع عشرات المستثمرين إلى ضخ أموالهم في هذا الحجر المهم في صناعة الأسمنت، فبرز كثير من المصانع الكبيرة، مما أدى إلى تغطية الإنتاج الاستهلاك الداخلي والاتجاه نحو التصدير، فيما يقول متخصصون إن هناك كثيراً من المعادن لم تستكشف أو لم يجر استثمارها، منها خامات الحديد والنحاس في الأنبار والذهب في محافظة ميسان وإقليم كردستان .

وعلى رغم وجود جميع هذه الخيرات في العراق فلا تُستثمر أو تُولى أهمية، فيما ظل القانون الخاص باستثمار هذه الثروات حبيس أدراج لجان مجلس النواب بسبب الخلافات السياسية والمخاوف من استغلال هذه الثروات من جهات سياسية.

16 تريليون دولار

المستشار المالي لرئيس الوزراء العراقي، مظهر محمد صالح، قال إن قيمة ثروات البلد الطبيعية تتجاوز 16 تريليون دولار، موضحاً أن “الاستثمار في قطاع التعدين سيسهم بجذب مليارات الدولارات في حقول جاهزة للتطوير مثل الكبريت والفوسفات والليثيوم وغيرها من المعادن”.

وأوضح أن “العراق يعد الأول عالمياً من ناحية تركز الثروات الطبيعية في الكيلومتر المربع الواحد، والتاسع عالمياً في قيمة الثروة الطبيعية المختلفة وبقيمة تقديرية تزيد على 16 تريليون دولار”.

وبيّن أن “الاحتياطات المختلفة من الثروة الأرضية التي تشكل مخزوناً متنوعاً من المعادن، في مقدمها الفوسفات، ويُقدّر احتياطيه بأكثر من 10 مليارات طن، ويعد بلدنا الثاني عالمياً من ناحية الاحتياط، ويتركز في منطقة عكاشات بمحافظة الأنبار، وثانياً الكبريت الحر الذي تنعم به بلادنا باحتياطات كبيرة في المشراق بمحافظة نينوى وتعد من أكبر حقول الكبريت الحر في العالم، أما الثالث فهو السيليكا في منطقة النجف الأشرف وغرب العراق، وتُستخدم في الصناعات الزجاجية والإلكترونية وأشباه الموصلات، وهي من أهم وأنقى المخزونات في العالم على وفق القراءات العالمية المنشورة دولياً”. وتابع، “هناك الحديد والمنغنيز والنحاس والذهب وتتوزع بين مناطق متفرقة من العراق، خصوصاً في إقليم كردستان والحدود الغربية والوسطى، عدا جنوب البلاد الذي يمتلك مخزونات عملاقة من الثروات الطبيعية الأخرى النادرة”.

ثروات غير مكتشفة

المختص في المجال الاقتصادي صفوان قصي يتحدث بدوره عن ضرورة الاهتمام بالصناعات التحويلية، مشيراً إلى وجود كثير من المعادن وثروات أخرى غير مكتشفة .

ونبه إلى أنه “قبل أكثر من 50 عاماً كان هناك رأي في العراق يميل إلى عدم الاستثمار في مجال المعادن لتكون احتياطاً للأجيال القادمة بعد نضوب النفط لكن حالياً سُمح من قبل وزارة الصناعة بالدخول في عالم المعادن وهناك عقود استثمارية ثقيلة في موضوع الأسمنت والفوسفات والكبريت والسيليكا”.

وأشار إلى أن العراق يتطلع إلى زيادة مستوى الاستثمار بهذه المعادن لأنها تمثل دخلاً إضافياً غير النفط يفوق 16 تريليون دولار، وهي تقديرات تقريبية باعتبار أن العراق يمتلك احتياطاً هو الأول على مستوى العالم في مخزون الكبريت وضمن الدول الـ10 في مخزون الفوسفات، وكذلك الأمر في مخزون خامات الأسمنت ويمتلك 150 تريليون قدم مكعبة من الغاز”.

 وأكد وجود خامات الحديد في الأنبار مع مؤشرات بوجود الزئبق والذهب في محافظة ميسان، ولذلك هناك كثير من المعادن التي يمكن استخراجها، مشدداً على ضرورة وضع خريطة واضحة للاستثمار العالمي ودخول العراق في منطقة تصنيع هذه المعادن.

وأوضح أن وزارة الصناعة كانت تركز سابقاً على الصناعات المتوسطة والصغيرة لكن حالياً انتقلوا إلى الاستثمار في المعادن، معرباً عن أمله أن تكون هناك شراكة إستراتيجية مع الجانب السعودي في موضوع استثمار الفوسفات والسيليكا وخلق صناعات تحويلية من خلال استثمار الكبريت في المشراق.

ومضى في حديثه، “لدينا خامات كبيرة من الأسمنت، لذلك شهدت تلك الصناعة في العراق تقدماً كبيراً عبر استثمارات ضخمة، ولذلك نأمل أن تشهد هذه الصناعة زيادة في التقدم لتتجه للتصدير بعدما حققت اكتفاءً ذاتياً من هذه الصناعة، ونأمل في توسيع دائرة الاستثمار في هذا القطاع للتصدير للصين والهند، باعتبار أن محافظة المثنى تملك احتياطاً هو الأول عالمياً من الأحجار الكلسية وبذلك يخلق إيرادات سنوية من هذه القطاعات توازي الإيرادات النفطية”.

وشدد على ضرورة أن تكون هناك إدارة سليمة لهذه الثروة من خلال الصناعات التحويلية وخلق محفظة استثمارية لإيرادات هذه المعادن، بحيث تُشترى أسهم في شركات عالمية من أجل أن يكون هناك إضافة قيمة للنفط الخام المنتج والتنويع في الاقتصاد.

وبيّن أنه “لا توجد معوقات في استثمار المعادن على رغم حاجتنا إلى قانون جديد يواكب عملية التطور في الاستثمار إلا أن القانون القديم لا يسمح لنا بتصدير الخامات، ولذلك من المهم تحويل هذه المواد الخام إلى صناعات تحويلية ومن ثم بيعها في السوق العالمية”.

وخلص قصي بالقول إنه من الممكن استثمار هذه المعادن من خلال شراكات مع شركات أجنبية باعتبار أن أسعار المعادن لا تنخفض، ولذلك نحن بحاجة إلى الانضمام للمنظمات الخاصة بصناعة المعادن، لأن هذه المنظمات هي التي تحدد كميات الإنتاج وحاجة السوق.

يتزامن ذلك مع اهتمام سعودي بالاستثمار في رمال السيليكا بمحافظة الأنبار، ومن أجل ذلك وقعت شركة “أجيال” اتفاق تعاون مشترك في أبريل (نيسان) الماضي مع الشركة العامة للزجاج والحراريات لإنشاء أكبر مجمع صناعي متكامل. ومن المؤمل أن ينتج الزجاج المسطح، والقناني والجرار، والأدوات الصحية السيراميكية، وسيراميك الأرضيات والجدران، وعوازل كهربائية زجاجية، وسيليكات الصوديوم، وغيرها من المشاريع .

تسهيلات الاستثمار

في الوقت نفسه، رأى المختص في المجال الصناعي باسم أنطوان أنه من الضروري إعطاء تسهيلات للمستثمرين وتشريع قانون التعدين، مضيفاً “لدينا ثروات هائلة من الفوسفات والكبريت والسيليكا، والعراق بحاجة إلى شركات كبيرة لاستثمار هذه الخامات، فهذه المعادن والخامات محدودة الكميات ودول معينة تنتجها ونحتاج إلى بيئة جيدة للاستثمار والتخلص من البيرقراطية والروتين والمعوقات في دوائر الدولة”.

وأوضح أن القانون المعمول به قديم ويحتاج إلى تحديث، ومجلس النواب يعمل حالياً على قانون يركز على استثمار هذه الخامات، إذ إن القانون القديم يشير إلى أن القطاع العام هو الذي يستثمرها فقط.

ولعل استثمار المعادن والثروات في ظاهر الأرض وباطنه لا سيما المعادن بحاجة إلى قانون ينظم عملية استثمارها، ولذلك بدأت النقاشات في البرلمان على قانون خاص بعد محادثات مع المختصين حمل اسم قانون التعدين، إلا أن القانون ظل حبيس أدراج مجلس النواب وذلك بسبب الخلافات السياسية والمخاوف بانتفاع بعض الأحزاب من هذه الثروات.

قانون التعدين والمشكلات السياسية

يبين عضو لجنة الاقتصادي والاستثمار حسين السعبري أن عدم تشريع قانون التعدين عرقل استثمار الثروات الكبيرة التي يمتلكها العراق، مشيراً إلى أن توجهات سياسية تمنع تشريع القانون. وأضاف “مشكلة العراق أنه أحادي الريع ويعتمد على النفط، مع العلم أن بلاد الرافدين لديها ثروات هائلة وأكثر هذه الموارد ثبت وجودها من خلال المسوحات التي أجريت من قبل المختصين”.

وذكر أن عدم إقرار قانون التعدين والقوانين التي تخص استثمار المعادن مثل قانون الاستثمار الصناعي أدى إلى عدم استثمار الثروات المهمة، مضيفاً “نحن بحاجة إلى صناعات تحويلية من أجل الاستفادة من هذه الثروات، والعراق متأخر بالصناعات التحويلية وحتى البرامج الحكومية لم تتحدث عن استثمار هذه الثروات”.

لا يوجد تخطيط

أما رئيس اتحاد الصناعات العراقية السابق علي الساعدي فأوضح أنه لا يوجد تخطيط وإرادة حقيقية لاستثمار الثروات العراقية، رافضاً تصدير تلك المعادن حالياً.

وقال الساعدي، “العراق يضم مختلف المواد المعدنية تحت الأرض إلا أنه لم يجر استغلالها بالشكل الصحيح، لعدم وجود تخطيط وإرادة حقيقية، فهناك شركات عملاقة مختصة باستثمار تلك الثروة”.

ويرفض فكرة استخراج تلك المعادن والثروات وبيعها في السوق العالمية، بل يطالب الساعدي باستثمارها من خلال جلب شركات عملاقة لاستثمار تلك الثروة، فهناك شركات كبيرة مختصة لتحويل تلك المواد الأولية إلى منتجات وبيعها.

وخلص الساعدي بالقول، “من حسن حظنا أنه لم تُستخرج تلك المواد من أجل استثمارها مستقبلاً وتحويلها إلى منتجات”، موضحاً أن قانون التعدين الذي سينظم استخراج واستثمار تلك المعادن لا يزال حبيساً في مجلس النواب ولم يجر تشريعه إلى الآن.

تابعونا عبر تليغرام
Ad 6
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com