وقد أثارت هذه العملية اهتماما واسعا وأعادت تسليط الضوء على جهود مواجهة ما يوصف بـ”الفوضى الرقمية ” و”سوء استخدام المنصات الإلكترونية لتحقيق أرباح غير مشروعة”.
وقالت وزارة الداخلية في إفادات متلاحقة خلال الساعات الماضية، إنه “ورد عدد من البلاغات ضد صناع محتوى لنشرهم مقاطع فيديو بمواقع التواصل الاجتماعى تتضمن ألفاظا خادشة للحياء تمثل خروجا سافرا على الآداب العامة (…) وإساءة استخدام مواقع التواصل، وكذلك التشكيك في مصادر ثرواتهما”.
توقيف صناع محتوى
وأعلنت الوزارة ضبط أحد “التيك توكر” وبحوزته مبالغ مالية عملات “محلية وأجنبية”، ومشغولات ذهبية، وكمية من مخدري “الحشيش – الأفيون”، وبمواجهته اعترف بنشر مقاطع الفيديو على صفحته لزيادة نسب المشاهدات وتحقيق أرباح مالية، وحيازته للمواد المخدرة للتعاطي، مؤكدة “اتخاذ الإجراءات القانونية”.
صناع المحتوى على حافة القانون: من الشهرة الرقمية إلى المحاكم في زمن تتسابق فيه الشهرة مع المنطق، ويصبح عدد المشاهدات مقياسًا للنجاح، يواجه بعض صناع المحتوى مصيرًا لم يكن في الحسبان: الشهرة خلف القضبان.
من سوزي إلى “ام سجدة ” إلى “أم مكة” و”هدير عبد الرازق”، مرورًا بـ”رورو البلد” و”أم رودينا”، تتساقط الأسماء واحدًا تلو الآخر في مشهد يعكس صدامًا متصاعدًا بين حرية التعبير وخطوط القانون الحمراء.
مقاطع قصيرة، كلمات خارجة، إيحاءات، وربما رغبة في “الترند” بأي ثمن، كانت كفيلة بتحويل شهرة رقمية إلى مساءلة قانونية.
فهل هي محاولة لكبح “محتوى الإسفاف”؟ أم أننا أمام أزمة أعمق تتعلق بغياب الوعي بضوابط النشر وحدود التأثير في الفضاء الرقمي؟
شهدت الأيام الأخيرة تطورات لافتة في ملف المحتوى الإلكتروني، بعد إلقاء القبض على صانعتَي محتوى شهيرتين على تطبيق “تيك توك”، هما أم سجدة وأم مكة، وذلك عقب توجيه اتهامات لهما تتعلق بنشر فيديوهات تحمل إيحاءات خادشة وألفاظ غير لائقة، في مخالفة واضحة لقيم المجتمع والقانون.
سوزي الاردنية، واحدة من أبرز صانعات المحتوى الجدلي على تطبيق “تيك توك”، تمكنت من جذب أنظار الآلاف من المتابعين عبر فيديوهات اعتمدت على الإيحاءات الجريئة والاستعراض اللافت. ورغم الانتقادات المتكررة التي طالت محتواها منذ بدايتها، واصلت سوزي نشاطها اليومي، لتصبح خلال فترة قصيرة من أكثر الأسماء تداولًا على مواقع التواصل في الأردن وخارجها.
لكن هذه الشهرة اصطدمت مؤخرًا بخط النهاية، بعد أن تم القبض عليها رسميًا، على خلفية نشرها لمقاطع وُصفت بأنها “مخالفة للذوق العام وخادشة للحياء”، تضمنت إشارات وسلوكيات اعتبرها كثيرون متعمدة لإثارة الجدل ولفت الانتباه على حساب القيم المجتمعية.
وأفادت مصادر مطلعة بأنه تم فتح تحقيق مع سوزي بشأن طبيعة المحتوى الذي دأبت على تقديمه، وسط مطالب متزايدة من الجمهور بتشديد الرقابة على المنصات الرقمية، لا سيما مع اتساع تأثيرها على فئة الشباب والمراهقين
مرت نيابة المقطم والخليفة بأم سجدة” لمدة أربعة أيام احتياطيًا، على خلفية عرض مقاطع مصورة وُصفت بأنها تخالف الآداب العامة وتستهدف تحقيق نسب مشاهدة مرتفعة بغرض الربح المادي.
خلال التحقيقات، أُشير إلى أن المقطع المصور الذي أثار الجدل تضمن محتوى اعتُبر غير مناسب للنشر العام، وتم تحريز عدد من الأجهزة الإلكترونية التي استُخدمت في التصوير والنشر.
“أم سجدة” اعترفت بأن هدفها من نشر الفيديوهات هو جذب التفاعل وتحقيق دخل من المنصات الرقمية، لكنها أنكرت نيتها الإساءة للمجتمع أو القيم الأسرية. كما سبق أن تقدّمت ببلاغ تتهم فيه أحد صناع المحتوى بالاعتداء عليها أثناء تصوير مشترك، وهي واقعة ما زالت محل تحقيق منفصل.
في واقعة أخرى، تم إلقاء القبض على “ام مكة ” أثناء وجودها داخل استوديو تصوير بمدينة الإنتاج الإعلامي، وذلك بعد مشادة كلامية نشبت بينها وبين الإعلامية علا شوشة خلال تصوير حلقة حوارية. وتم تحرير محضر بالواقعة، حيث وُجهت لها اتهامات تتعلق باستخدام ألفاظ خارجة، ونشر محتوى مخل على منصاتها الخاصة.
وبناءً على ما ورد في التحقيقات الأولية، صدر قرار من نيابة أكتوبر بحبس “أم مكة” لمدة أربعة أيام على ذمة القضية، مع استمرار مراجعة محتواها المنشور للتحقق من وجود مخالفات إضافية.
ضمن موجة التوقيفات الأخيرة التي طالت عدداً من صانعي المحتوى على تطبيق “تيك توك”، برز اسم مروة مبارك، التي اشتهرت بفيديوهات وصفت بأنها تتجاوز المعايير الأخلاقية والاجتماعية، وتُقدَّم بطريقة اعتبرها كثير من المتابعين مستفزة ومخالفة لقيم المجتمع.
وقد تم القبض عليها رسميًا بعد تصاعد البلاغات والمطالبات باتخاذ إجراءات ضدها، على خلفية نشرها لمقاطع تتضمن إيحاءات مباشرة ورسائل تحمل مضامين غير لائقة، وتؤثر بشكل سلبي – بحسب المتابعين – على فئات عمرية صغيرة تنشط على المنصة.
التحقيقات لا تزال جارية معها حتى الآن، فيما تم حجب بعض حساباتها، وسط حالة واسعة من الجدل حول تأثير هذا النوع من المحتوى، ودور المنصات الرقمية في مراقبة ما يُنشر على صفحاتها
البلوجر هدير عبد الرازق تُعد من أكثر الحالات جدلًا. واجهت حكمًا نهائيًا بالحبس لسنة مع الشغل، وكفالة ٥ آلاف جنيه مع غرامة مالية ١٠٠ ألف جنيه بعد إدانتها ببث ١١ فيديو خادش للحياء العام عبر مختلف حساباتها، بهدف التربح والاستفادة من الإعلانات. وقد وجدت المحكمة أنها كسبت ما يقارب ١٤٨٦ دولارًا من البث المباشر .
في جلسة قضائية سابقة، صدر حكم نهائي بالحبس عامين، بعد حادث مرور نتج عنه إصابة أحد المواطنين، وهو حكم جاري تنفيذه بالفعل في مديرية أمن الجيزة .
كما كشفت التحقيقات عن إرسال فيديو وثّق تعرضها لاعتداء بدني داخل شقتها، إلا أنه لم يغيّر الحكم بحقها في قضايا النشر الخادش .
أمرت جهات التحقيق بحبس “أم رودينا”في مايو 2025 لمدة ٤ أيام احتياطيًا، عقب اتهامات شملت نشر فيديوهات خادشة للحياء، التلاعب بتعاطف الجمهور بهدف جمع أموال، واستغلال بثوث مباشرة للتربح. كشفت التحقيقات عن تحويل أموال ضخمة عبر حسابات بنكية ومحافظ إلكترونية وفيديوهات مثيرة مخزنة على الهواتف المحمولة المتحفظ عليها.
تم ضبط صانعة المحتوى الشهيرة “رورو البلد” في مايو 22025 داخل شقتها بدائرة شرطة أكتوبر بعد توجيه اتهامات لها بـ”التحريض على الفسق” من خلال بثها لمقاطع فيديو عبر تيك توك، ووجد بحوزتها ٣ هواتف محمولة تحتوي على مقاطع وصفها التحقيق بأنها “مخالفة للآداب”.
• أحالت نيابة الوايلي في أبريل 2026 مستخدم تيك توك يُشار إليه بالرمز “ز.ت” إلى المحاكمة الجنائية، بعد جلبه وهو متهم بنشر فيديوهات تحرض على الفسق والفجور ومخالفة المجتمع عبر المحتوى، وتم ضبطه بحوزته هاتفين ومبلغ مالي يشتبه في استخدامه لتمويل قبول وتنفيذ الفيديوهات.
لم يكن تحرك الجهات المعنية ضد صانعي المحتوى مجرد رد فعل عابر، بل جاء مدفوعًا بسلسلة من البلاغات الرسمية التي تقدم بها عدد من المحامين، والذين طالبوا باتخاذ إجراءات قانونية عاجلة ضد بعض التيك توكرز الذين قالوا إنهم “يتعمدون نشر محتوى مبتذل، يخالف القيم الأخلاقية، ويشكل خطرًا على النشء”.
وبحسب مصادر مطّلعة، فقد تم تسجيل عشرات البلاغات خلال الأسابيع الأخيرة، استهدفت أسماء بعينها، من بينها أم سجدة، هدير عبد الرازق، سوزي الأردنية، ومروة مبارك، بالإضافة إلى آخرين.
المحامون استندوا في بلاغاتهم إلى مواد قانونية تتعلق بالإساءة للمجتمع، ونشر محتوى مخل بالآداب، مؤكدين أن ما يُقدَّم على المنصات لا يدخل في نطاق حرية التعبير، بل يُعد “تحريضًا على الفجور ومساسًا بالمنظومة الأخلاقية”
تأتي هذه الإجراءات في ظل تنامي الانتقادات الموجهة إلى بعض مستخدمي مواقع التواصل، الذين يعتمدون على مقاطع مثيرة للجدل بهدف الشهرة السريعة أو الربح المالي، وهو ما أثار استياء شريحة واسعة من الجمهور، إلى جانب دعوات قانونية لضبط هذا النوع من المحتوى.
وتنص القوانين المنظمة لوسائل النشر الإلكتروني، ومن بينها قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، على معاقبة من يثبت تورطه في بث أو إعادة نشر محتوى من شأنه الإخلال بالقيم أو التحريض على الفسق، وذلك بعقوبات قد تصل إلى الحبس والغرامة.
تلك القضايا فتحتا الباب أمام نقاش عام حول مسؤولية صناع المحتوى، ودور المنصات الرقمية في ضبط ما يُبث عبرها. وفيما تستمر التحقيقات، تتزايد الدعوات لتشديد الرقابة على المحتوى الذي يخرج عن الإطار الأخلاقي، وتوعية الشباب بخطورة الانسياق وراء شهرة وهمية على حساب المبادئ والقانون.