المفوضية: لا تهاون مع مروّجي خطاب الكراهية والفتن الطائفية

المفوضية: لا تهاون مع مروّجي خطاب الكراهية والفتن الطائفية

 

وجّهت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، تحذيراً إلى جميع المشاركين في الانتخابات التشريعية المرتقبة، من أنها لن تتهاون في تطبيق القانون وفرض العقوبات بحق أي مرشح أو حملة انتخابية لحزب أو شخص ما يمارس خطاب الكراهية أو يقوم بإثارة النعرات والفتن الطائفية والإثنية التي تفرّق الشعب العراقي وتزرع العداوة بين مختلف أطيافه.

المفوضية ومعها الجهات الساندة وعلى رأسها وزارة الداخلية لإنفاذ القانون، وكذلك هيئة الإعلام والاتصالات، تراقب كل صغيرة وكبيرة في الحملات الانتخابية على منصات التواصل والفضائيات وجميع أدوات البث الإعلامي والإعلاني، وترفع تقاريرها إلى المفوضية والقضاء لاتخاذ الإجراءات وفق المادة 8 من قواعد التغطية الإعلامية في الانتخابات، في حين حثّ مراقبون وحقوقيون على وجوب تطبيق القانون بحذافيره من دون تمييز، للقضاء على ظاهرة بث خطاب الكراهية وزرع الفتن بين أبناء الشعب العراقي.

عقوبات قانونية

مساعد الناطق الإعلامي للمفوضية العليا المستقلة للانتخابات، نبراس أبو سودة، قالت في حديث صحفي : إن «نظام الحملات الانتخابية رقم (4) لسنة 2025 صنّف خطابات الكراهية والتحريض على العنف أو إثارة النعرات القومية والطائفية ضمن المخالفات الانتخابية الجسيمة، وتتم مواجهة هذه الحالات عبر آليتين؛ الرصد الميداني المباشر من قبل اللجان المختصة، والشكاوى المقدّمة من الناخبين أو الأطراف السياسية». وشددت أبو سودة، على أن «المفوضية تتعامل مع هذا النوع من التجاوزات بحزم كامل استناداً إلى أحكام القانون والنظام النافذ، حفاظاً على نزاهة العملية الانتخابية واستقرار المجتمع.»

وأوضحت، أن “استخدام أي مرشح لخطاب يحضّ على الكراهية أو يهدد السلم الأهلي يُعد مخالفة خطيرة. ويتم اتخاذ إجراءات إدارية وقانونية بحقه تشمل: فرض غرامات مالية والاستبعاد من الترشح نهائياً في حال تكرار المخالفة أو خطورتها”.

وتأتي هذه العقوبات ضمن الصلاحيات القانونية الممنوحة للمفوضية لضمان عدالة المنافسة وحماية الناخبين من التحريض والانقسام.

وأشارت أبو سودة، إلى أن “المفوضية اتخذت بالفعل قرارات باستبعاد مرشحين في هذا الاستحقاق الانتخابي وفي استحقاقات سابقة، كانت فيها المخالفات المثبتة تتعلق بخطابات تحريضية أو انقسامية تهدد السلم المجتمعي. وتعدّ هذه الإجراءات جزءًا من نهج ثابت في التصدي لأي ممارسات تضر بالعملية الانتخابية”.

وجددت تأكيدها، أن “المفوضية بهذا الشأن تعتمد في عملها أولاً على رصدها الميداني وأدلتها القانونية، إلى جانب الشكاوى المقدّمة من الجهات المعنية”، وبيّنت أنه “رغم أن تقارير بعثات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية غالباً ما تُصدر ملاحظاتها وتوصياتها بعد انتهاء العملية الانتخابية، فإن المفوضية تأخذ بها كمرجع استشاري مهم، كما تعتمد على تقارير المنظمات المحلية الرصينة، وتُدرس هذه التوصيات للاستفادة منها في الاستحقاقات الانتخابية اللاحقة ضمن إطار التطوير المستمر للمنظومة الرقابية”.

دور هيئة الاتصالات

من جانبه، أكدَ مدير دائرة التنظيم الإعلامي في هيئة الإعلام والاتصالات، جادر الجادر، في حديث للصحيفة الرسمية، أن “الهيئة وبتوجيه الرئيس التنفيذي الدكتور نوفل أبو رغيف، تواصلُ جهودَها في متابعة الأداء الإعلامي المرافق للعملية الانتخابية، بما ينسجمُ مع اللوائح المعتمدة التي أُقرّت لضمان تغطيةٍ إعلاميّةٍ عادلةٍ ومتوازنةٍ، تصونُ السلمَ المجتمعي وتمنعُ أيَّ شكلٍ من أشكال التحريض أو الكراهية”.

وبيّن، أن “المادة (8) من قواعدِ التغطيةِ الإعلاميةِ في الانتخاباتِ نصّت على منعِ بثِّ أو نشرِ أيِّ مادةٍ إعلاميّةٍ تتضمّنُ تحريضًا على الكراهيةِ أو التمييزِ أو العنفِ بين مكوّناتِ الشعبِ العراقي، أو ما من شأنِه أن يؤدّيَ إلى إثارةِ النزاعاتِ أو الإخلالِ بالأمنِ العامّ أو تهديدِ السِّلمِ الأهليّ”، مؤكّدًا أن “هذه المادة تمثّلُ ركيزةً أساسيّةً في حمايةِ المشهدِ الإعلاميّ الانتخابيّ من الانزلاقاتِ الخطيرةِ التي قد تمسُّ التماسكَ الوطنيّ أو توظّفُ الخطابَ الإعلاميَّ لأغراضٍ استفزازيّةٍ أو فئويّةٍ.»

وأضافَ، أن “الهيئةَ أصدرت في وقتٍ سابقٍ عدداً من الإجراءاتِ التطبيقيّةِ وإرشادات تنظيمية موجهة إلى القنواتِ والإذاعاتِ والمنصّاتِ الإعلاميّةِ، تضمنتْ ضرورةَ الالتزامِ بمبدأ الحيادِ والتوازنِ في استضافةِ الضيوف، والابتعادِ عن الاستفزازِ اللفظيِّ أو التحريضِ السياسيِّ أو الطائفيِّ داخلَ البرامجِ الحواريّة، مؤكّداً أن دائرةَ التنظيمِ الإعلاميّ تقومُ بمتابعةِ تلك البرامجِ بشكلٍ يوميّ، وترصدُ أية مخالفاتٍ محتملةٍ، ثم تتم إحالتها إلى اللجانِ المختصّةِ لاتخاذِ الإجراءاتِ القانونيّةِ وفقَ اللوائحِ النافذةِ.»

وأشارَ الجادر، إلى أن الهيئةَ أصدرتْ إعماماً خاصّا بسياقاتِ البرامجِ الحواريّةِ تضمّنَ جملةً من الضوابطِ المهنيّةِ، أهمُّها:

• وجوبُ إدارةِ الحوارِ بموضوعيّةٍ ومن دونِ انحيازٍ.

• ضمانُ حقِّ الردِّ للضيوفِ أو الجهاتِ التي تُذكَرُ في الحوارِ.

• منعُ الإساءةِ الشخصيّةِ أو التلميحاتِ المذهبيّةِ أو القوميّةِ أو المناطقيّةِ.

• تحمّلُ المؤسّسةِ الإعلاميّةِ مسؤوليّةَ المحتوى الذي يُبثُّ عبرَ منصّتِها.

وختمَ الجادر حديثه، بالتأكيدِ على أن “حرّيّةَ التعبيرِ مكفولةٌ بموجبِ الدستورِ، لكنها مرتبطةٌ بالمسؤوليّةِ الوطنيّةِ والمِهنيّةِ”، مشيراً إلى أن هيئةَ الإعلامِ والاتصالاتِ ماضيةٌ في تنظيمِ الأداءِ الإعلاميّ الانتخابيّ على نحوٍ يحمي الديمقراطيّةَ، ويعزّزُ الثقةَ بالعمليّةِ الانتخابيّةِ، ويصونُ وحدةَ المجتمعِ العراقيّ”.

تقييم “اليونسكو”

وعن تقييم منظمة “اليونسكو” للآليات التي تعتمدها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات لرصد ومعالجة خطاب الكراهية خلال الحملات الانتخابية، قال مسؤول برامج الاتصالات والمعلومات في منظمة اليونسكو- العراق، الدكتور ضياء ثابت، في تصريح صحفي تلقته ” اخر الاخبار”: إنه “بناءً على الأُطر والإرشادات التي تطورها (اليونسكو) في مجال الإعلام والانتخابات وحوكمة المنصّات الرقمية، يكون التقييم عادةً قائمًا على مقاييس أساسية: وجود تعريفات واضحة ومُعتمدة لخطاب الكراهية، وآليات رصد منهجية ومقاسة (مؤشرات، عينات، أدوات مراقبة رقمية)، وإجراءات تحقيق شفافة، وضمانات قضائية وإدارية تُحفظ حقوق الدفاع والتصحيح، بالإضافة إلى تعاون فعّال مع منصّات التواصل والمجتمع المدني”، مبيناً أن “(اليونسكو) تشجّع مزيجًا من الوقاية (التعليم، بناء القدرات الإعلامية) والتدابير التنظيمية والتعاونية مع المنصات الرقمية”.

وأشار، إلى أن “أي آلية وطنية تُظهر عناصر المنهجية والشفافية والتعدّدية تُعتبر مطابقة جزئياً للمعايير الدولية، لكن من الأفضل دائمًا تطويرها عبر دمج معايير حوكمة المنصّات، وآليات قياس نتائج واضحة، وتعزيز التعاون مع المجتمع المدني والجهات الدولية لتوحيد منهجية الرصد والردّ”.

وفي ما يتعلق بدور “اليونسكو” في دعم الإجراءات القانونية والإدارية عند ثبوت خطاب يحضّ على الكراهية أو يهدّد السلم الأهلي أثناء العملية الانتخابية، أوضح ثابت، أن “دور (اليونسكو) ليس دورًا قضائيًا أو تنفيذيًا بطبيعته (أي أنها لا تفرض عقوبات)، بل هو دعم فني ومؤسّسي ثقافي وتوجيهي، ويتجلّى في تقديم إرشادات ومعايير للممارسين في المجال الانتخابي ووسائل الإعلام حول كيفية التمييز بين حرية التعبير وخطاب الكراهية، وكيفية التعامل معه بما يحترم المعايير الدولية لحقوق الإنسان”. وتابع، أن “دور (اليونسكو) يتمثل أيضاً ببناء القدرات من خلال على رصد الأمثلة، وجمع الأدلة، وصياغة التقارير وتطبيق إجراءات إدارية متناسبة، فضلا عن دعم السياسات المؤسسية وتقديم المساعدة في صياغة أو مراجعة سياسات داخلية للمفوضية تتضمن آليات استدعاء، وإشعار وتصحيح، ومعايير لعمليات الاستبعاد أو العقوبات الإدارية ضمن ضوابط قانونية واضحة تحافظ على مبدأ المشروعية والإنصاف”.

وأضاف، أن “المنظمة الدولية تعمل على تعزيز التعاون مع المنصّات: تشجيع قنوات اتصال رسمية بين المفوضية والمنصّات الرقمية بهدف إزالة المحتوى التحريضي بسرعة أو وضع سياقات (labels)، مع الحفاظ على إجراءات الطعن والشفافية، وبهذا المنطق، فإن (اليونسكو) تدعم بناء آليات وطنية متوازنة تدمج الوقاية، والاستجابة، والضمانات القانونية، بدلاً من فرض إجراءات قاطعة من دون آليات مساءلة وشفافية”.

وبيّن ثابت، أن “منهج (اليونسكو) عمومًا هو التوثيق والتوجيه التقني والسياساتي، وليس إصدار قرارات قضائية أو إدارية بإقصاء مرشحين. وفي مراجعات موارد (اليونسكو) وإصداراتها العامة لا يظهر أنها تنشر (قوائم استبعاد) لمرشحين على نحو مباشر؛ فاستبعاد المرشحين في العادة أمر يخضع للقانون الوطني والهيئات القضائية والانتخابية المحلية، بينما تُقدّم (اليونسكو) المعايير والممارسات الفضلى لدعم عمليات الإنصاف والشفافية. كما أن الأمم المتحدة وفرقا دولية أخرى تصدر إرشادات حول حدود التدرّج في العقوبات ضمانًا لحرية التعبير وحقوق الدفاع”. ونوّه بـ “وجود مبادرات وتعاون متزايد بين الجهات الوطنية والجهات الدولية (مثل ورش العمل والحوارات التي نظمتها منظمات دولية وإقليمية)، وكذلك نشاط متزايد لمجتمع مدني في رصد الانتهاكات الإعلامية خلال الدورات الانتخابية”، واستدرك: “لكن التحدّي المعتاد يتمثل في تفاوت المعايير والمنهجيات، وبطء تبادل البيانات الرسمية، ونقص آليات تنسيق مؤسّسية دائمة (منصة وطنية مشتركة لرصد وتبادل الأدلة مثلاً). تقارير مثل ورش العمل والتقارير المؤسسية الدولية تبيّن وجود إرادة للتعاون، لكن الحاجة قائمة لتوحيد الإجراءات والأدوات».

حقوق الإنسان

المدير التنفيذي لمؤسسة مدافعون لحقوق الإنسان (DHR) الدكتور علي البياتي، قال في حديث صحفي : إن “موضوع خطاب الكراهية في العراق يشكل تحدياً بالغ الأهمية، لاسيما بعد الآثار السلبية العميقة التي خلّفها عبر سنوات طويلة”.

وأوضح البياتي، أن “العراق يمتلك تشريعات واضحة ومؤسسات مختصة بمكافحة خطاب الكراهية، إلا أن غياب الإجراءات المؤسسية الفاعلة جعل هذا الملف مهمشاً، ما أدى إلى تنامي أفعال الكراهية في المشهد الانتخابي”.

وأشار، إلى أن “المواطن الذي يحاول التعبير عن موقفه تجاه قضية معينة قد يتعرض لهجوم مباشر بخطاب كراهية من قبل فريق أحد المرشحين. كما أن المرشحات يتعرضن لاستهداف مضاعف يتضمن التمييز والاتهامات التي تمس الشرف والسمعة، في تجاوز خطير لكل القيم المجتمعية والإنسانية”. واختتم البياتي، بأن “ساحة التنافس الانتخابي تحولت إلى (صراع رقمي) محتدم بين المرشحين، تغذّيه أساليب سلبية وخطابات تقوّض العملية الديمقراطية بدلاً من دعمها

وترسيخ قيمها”.

تابعونا عبر تليغرام
Ad 6
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com