لماذا يرفض وزير خارجية لبنان دعوة نظيره الإيراني لزيارة طهران بهذه الطريقة العدوانية؟ هل اقتربت الحرب لنزع سلاح “حزب الله”؟ عطوان يكتب ..

لماذا يرفض وزير خارجية لبنان دعوة نظيره الإيراني لزيارة طهران بهذه الطريقة العدوانية؟ هل اقتربت الحرب لنزع سلاح “حزب الله”؟ عطوان يكتب ..

رفضّ السيد يوسف رجي وزير الخارجية اللبناني لدعوة نظيره الإيراني عباس عراقجي لزيارة طهران بذريعة ان “الظروف المواتية غير ملائمة”، ويقترح في الوقت نفسه عقد اللقاء في دولة ثالثة “محايدة”، يؤكد ان العلاقات بين البلدين تتجه بسرعة الى “القطيعة”، وربما المواجهة بطرق مباشرة او غير مباشرة،

واللافت ان هذا الموقف اللبناني المفاجئ جاء بعد الاجتماع التطبيعي العلني الذي تم بين وفدين، لبناني وإسرائيلي برعاية الولايات المتحدة في مدينة رأس الناقورة الحدودية، فهذا الرد لا يمكن ان يصدر الا من وزير خارجية دولة في حالة حرب مع الأخرى، فهل لبنان في حالة حرب مع ايران، حتى يلتقيان في دولة محايدة؟

وثانيا، انت تقول ان العلاقات يجب ان تقوم على الاحترام المتبادل، والسيادة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، فهل التزمت إسرائيل التي تتفاوضون معها حاليا، والتي اخترقت وقف اطلاق النار 7500 مرة، وتقتل يوميا لبنانيين بهذه القواعد؟

الأمر المؤكد ان هذا الموقف اللبناني الجريء، وغير المسبوق، الذي قد يتطور الى قطع العلاقات بين البلدين بشكل كامل، له علاقة مباشرة بالدعم الإيراني لـ”حزب الله”، ومعارضة ايران لنزع سلاحه، ويتضح ذلك بقول السيد رجي في رسالة الاعتذار “نحن على قناعة ثابتة بأن بناء أي دولة قوية لا يمكن ان يتم اذا لم تحتكر الدولة وحدها بجيشها الوطني حق حمل السلاح، وتكون صاحبة القرار الحصري في قضايا الحرب والسلم”، واشترط رجي “ان تكون العلاقات بين البلدين قائمة على الاحترام المتبادل والمطلق للاستقلال وسيادة كل بلد وعدم التدخل في شؤونه الداخلية بأي شكل من الاشكال”، وهذا يعني ان ايران تتدخل ولا تحترم هذه القواعد.

بدأنا بهذا التطور الذي يعكس تدهور العلاقات اللبنانية الإيرانية، من أجل الوصول الى تنفيذ ما يتم طبخه في الوقت الراهن من مخططات ثلاثية الأبعاد لنزع سلاح “حزب الله” وبالقوة، في المطبخ الإقليمي الكبير بإشراف الطباخين الأمريكي والإسرائيلي وبمشاركة سورية لبنانية مباشرة، وعربية بصفة غير مباشرة وعن بعد.

لا شيء يرعب دولة الاحتلال هذه الأيام أكثر من عودة المقاومة الإسلامية ذات البعد الوطني العربي “الفوق طائفي” في الجبهة السورية الجنوبية، هذه المقاومة التي بدأت تطل برأسها بقوة، وتضم معظم الطوائف والفصائل، الفلسطينية واللبنانية والسورية على وجه الخصوص، وقد تنطلق من هذه الجبهة عملية التغيير الشاملة المنتظرة للمنطقة العربية، وربما كل منطقة الشرق الأوسط.

ريف دمشق الجنوبي، وخاصة في “بيت جن”، و”خان ارنبة”، والقنيطرة الحاضنة الأم، وبلدات سفوج جبل الشيخ، بدأت تشهد مواجهات دموية ضد العدو الإسرائيلي المحتل، فالقوات الإسرائيلية ارتكبت مجازر قبل أسبوع في بلدة بيت جن راح ضحيتها 13 شهيدا بينهم أطفال ونساء واصابة 25 شخصا آخرين، وامس الأربعاء، أطلقت القوات الإسرائيلية النار على مدنيين سوريين في بلدة خان ارنبه وأصابت ثلاثة منهم، وباتت الحواجز العسكرية الإسرائيلية العلامات البارزة في الجنوب السوري في الوقت الراهن، تقتل من تشاء، وتعتقل من تشاء، وتقصف بمسيرّاتها أينما تشاء، ولا توجد أي قوى تردعها، وخاصة في الدولة صاحبة السيادة المخترقة.

تفعيل الجبهة السورية الجنوبية يسير بخطى متسارعة تقلق دولة الاحتلال وترعبها للأسباب التالية:

أولا: التواصل الجغرافي والسياسي بين هذه الجبهة ونظيرتها اللبنانية، وتنقل المقاتلين بسهولة بين المناطق المشتركة والمحاذية لبعضها البعض، فالجماعة الإسلامية اللبنانية السنية المقاتلة التي نقلت بعض مقاتليها الى الجنوب السوري بشكل متدرج ليس لديها أي مشكلة طائفية مع “حزب الله”، وحركة أمل، وحتى المسيحيين والدروز والعلويين الوطنيين في المنطقة، أي ان الفتنة الطائفية لا مكان لها.

ثانيا: جبهة الجنوب السوري اذا ما جرى احياؤها، وهذا ما يحصل حاليا بالتدريج، لها عمق وطني ضخم، حيث تتواصل جغرافيا وعروبيا مع الأردن والعراق، الى جانب لبنان وفلسطين، ومن غير المستبعد ان تتمدد المقاومة فيها الى هذه المناطق التي تعيش حالة من الاذلال والهوان بسبب العربدة والمجازر الإسرائيلية في غزة والضفة، ولبنان، واليمن.

ثالثا: تزايد المؤشرات على تسارع عملية تشكيل ميليشيات عسكرية مسلحة لأسقاط النظام السوري الجديد المدعوم تركيا وأمريكيا، وإعادة النظام السوري السابق ربما بتركيبة وروحية جديدة، ولعل تقرير وكالة “رويترز” العالمية الذي تحدث قبل أسبوع بإسهاب في هذا المضمار، وسمّى كلا من رامي مخلوف الملياردير إبن خال الرئيس السوري السابق، وكمال حسن رئيس المخابرات العسكرية السابق، علاوة على السيد ماهر الأسد وقادة آخرين في الجيش السوري المنحل بإطلاق الرصاصة الأولى ضد النظام الحالي الحاكم في الساحل والجنوب، اثناء احتفال الأخير بالذكرى السنوية الأولى لسقوط نظام الأسد، وامتلاك مئات الملايين لتمويل عناصر الجيش القديم المتجدد.

رابعا: توارد معلومات مؤكدة عن عودة كتائب المقاومة الفلسطينية الاسلامية الى جنوب سورية، وخاصة الجهاد الإسلامي وحركة حماس اللتين تربطهما علاقات تسليحية قوية مع “حزب الله” وايران، وارتكب النظام السوري الجديد خطأ فادحا عندما اغلق مكاتب المقاومة الفلسطينية في دمشق، سواء كانت إسلامية او علمانية، وانخراط النظام في مفاوضات مباشرة مع إسرائيل للتوصل الى اتفاقات أمنية وربما سياسية وعسكرية لاحقا، والانضمام الى منظومة سلام ابراهام سيئة الذكر.

نختم بالقول ان موقف وزير الخارجية اللبناني يوسف رجي بالتعاطي بهذه الغطرسة والخشونة مع دولة إقليمية عظمى مثل ايران يتعاطف معها طائفيا وعقائديا اكثر من ثلث الشعب اللبناني، وتقود محور المقاومة، ويرتكب هذه الخطيئة غير الدبلوماسية، لا يمكن ان يكون “زلة لسان”، وانما قد يكون قمة جبل الثلج للعدوان الإسرائيلي الأمريكي السوري على لبنان للقضاء على “حزب الله” بعد نزع سلاحه بالقوة وقبل نهاية هذا العام بعد رفضه الاستسلام، والدعم الإيراني العلني الصريح له سواء على لسان السيد علي خامنئي المرشد الأعلى او السيد عراقجي وزير الخارجية نفسه غير المرحب به على الأراضي اللبنانية مستقبلا، فهل تستطيع الدولة اللبنانية مواجهة الاخطار، وأبرزها الحرب الاهلية المحتملة.
الانفجار الوشيك في لبنان ينتظر عود الثقاب الذي سيشعل فتيله، فزيارة بابا الفاتيكان انتهت، والاتفاق على السيناريوهات للحرب المقبلة التي ربما جرى الاتفاق عليها في لقاء رأس الناقورة برعاية وهندسة المبعوث الامريكي توم برّاك قد اكتملت فيما يبدو، ولعل فيديوهات شيطنة الأسد ومستشارته لونا الشبل واخراج الأخيرة من قبرها باعتبارها أحد أبرز عناوين الاثارة وجذب المشاهدين، هي الحلقة الأولى في الحرب الإعلامية الممهدة للسيناريو الأكبر.. والله اعلم.

عبدالباري عطوان

تابعونا عبر تليغرام
Ad 6
Social Media Auto Publish Powered By : XYZScripts.com