الحشد الشعبي.. هل تغير تركيا موقفها؟

مع تحقيق تركيا انتصاراً واضحاً في سوريا بعد الإطاحة ببشار الأسد في ديسمبر الماضي، يبدو أن المنطقة مهيأة لتصعيد كبير في التنافس بين أنقرة وطهران. في العراق، قد تكون التداعيات كبيرة، حيث شكل سقوط الأسد—وهو حليف رئيسي ضمن “محور المقاومة” الذي تقوده طهران—محورًا رئيسيًا في الجدل الدائر حول تفكيك قوات الحشد الشعبي، وهي قوة شيعية إلى حد كبير مدعومة من إيران. قد يؤدي هذا التطور، إلى جانب فقدان سوريا كـ “خط دفاع أمامي”، إلى تقليص نفوذ إيران الإقليمي بشكل كبير.
في هذا السياق، قد تصبح منطقة كردستان العراق ساحة حاسمة تتنافس فيها إيران وتركيا—سواء على الصعيد الدبلوماسي أو الاقتصادي أو حتى الأمني.
هل ستدعم أنقرة تفكيك الحشد الشعبي؟
تسعى تركيا، في ظل التطورات السريعة في المنطقة، إلى دفع إيران نحو إعادة تموضع متوازنة لصالحها، لا سيما في العراق. وعلى الرغم من مطالب الولايات المتحدة الأخيرة بتفكيك الحشد الشعبي من خلال دمجه في القوات المسلحة العراقية، لا يزال موقف أنقرة من هذه المسألة غير واضح.
تتمتع تركيا بعلاقة معقدة ومتغيرة مع الفصائل المسلحة الشيعية التي تشكل الحشد الشعبي. ففي عام 2017، وصف الرئيس رجب طيب أردوغان الحشد الشعبي بأنه منظمة إرهابية، إلا أن رئيس الهيئة فالح الفياض زار أنقرة لاحقًا وحضر مؤتمر حزب العدالة والتنمية الحاكم في عام 2023. وعلى الرغم من أن بعض الفصائل التابعة للحشد الشعبي هاجمت القواعد التركية في شمال العراق سابقًا، إلا أن هذه التطورات تشير إلى تحول كبير في العلاقات من العداء المتبادل إلى التعاون الاستراتيجي.
ترافق هذا التغير مع تحول في استراتيجية أنقرة ضد حزب العمال الكردستاني (PKK). ومع محدودية نجاح عملية “المخلب-القفل” العسكرية عام 2022، أدركت تركيا حدود العمل العسكري الأحادي، ما دفعها إلى التقارب مع بغداد والحشد الشعبي. وقد أدى هذا إلى توقيع اتفاق أمني مع الحكومة العراقية في مارس 2024، والذي شمل مشاركة فصائل من الحشد الشعبي.
ورقة الأكراد على الطاولة مجددًا
يمكن أن تؤدي التحديات العسكرية والاستراتيجية التي تواجهها إيران—لا سيما بعد فقدانها لحليفها السوري—إلى إعادة رسم الحسابات الجيوسياسية، مما يعزز أهمية كردستان العراق. وفي الوقت الذي تتفق فيه أنقرة وطهران على اعتبار حزب العمال الكردستاني عدوًا مشتركًا، تظل تركيا متوجسة من دعم إيران لمجموعات كردية مرتبطة بالحزب في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك قوات سوريا الديمقراطية (SDF) وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني (PUK) في السليمانية، إلى جانب جناح الحزب في إيران (PJAK).
تعتقد أنقرة أن طهران تدعم التنسيق العابر للحدود بين هذه الفصائل، مما قد يؤدي إلى تصعيد إقليمي. وقد ازدادت المخاوف التركية بعد تقارير عن تواصل بين فيلق القدس الإيراني ووحدات حماية الشعب (YPG)، الجناح العسكري لقوات سوريا الديمقراطية، مع مزاعم بأن إيران وافقت على تزويد الأخيرة بـ 1500 طائرة انتحارية مسيرة لمواجهة النفوذ التركي في سوريا.
إذا صحت هذه التقارير، فقد يؤدي ذلك إلى تأجيج التوترات بين أنقرة وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي يُتهم غالبًا بأنه قناة لتمرير الأسلحة إلى قوات سوريا الديمقراطية. علاوة على ذلك، قد يدفع أي تنسيق عسكري بين حزب الاتحاد الوطني الكردستاني والأكراد السوريين حلفاء تركيا في الحزب الديمقراطي الكردستاني (KDP) في أربيل إلى اتخاذ ردود فعل متشددة.
هل يمكن للدبلوماسية الكردية الداخلية تهدئة التوترات؟
في ظل تصاعد المنافسة الإيرانية-التركية، كثفت أنقرة جهودها الدبلوماسية في كردستان العراق. في 8 يناير، زار رئيس وزراء الإقليم، مسرور بارزاني، أنقرة لمناقشة التطورات الإقليمية. كما أشارت تقارير غير مؤكدة إلى لقاء بين مسؤولين أتراك وزعيم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، بافل طالباني، في بغداد، مما يشير إلى محاولة أنقرة لرأب الصدع بين الحزبين الكرديين الرئيسيين.
وقد انعكست هذه التحركات على المشهد السياسي الداخلي في كردستان العراق، حيث عُقد اجتماع نادر بين بارزاني وطالباني في 16 يناير، والذي ربما يشير إلى انفتاح حزب الاتحاد الوطني الكردستاني على مناقشة قضايا مثل حزب العمال الكردستاني وقوات سوريا الديمقراطية. كما أغلق الحزب في الشهر نفسه أربعة مراكز ثقافية وإعلامية يُعتقد أنها مقربة من حزب العمال الكردستاني، مما قد يكون بادرة حسن نية تجاه أنقرة والحزب الديمقراطي الكردستاني.
كل كردستان مسرح للتنافس الإقليمي
إن أي تحسن في العلاقات بين الأحزاب الكردية قد يساعد تركيا في إعادة إطلاق عملية السلام مع حزب العمال الكردستاني، حيث تنظر أنقرة إلى القادة الأكراد العراقيين كوسطاء محتملين. ويُنظر إلى لقاء زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود بارزاني، مع قائد قوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، في أربيل في 16 يناير على أنه محاولة لاستكشاف إمكانية الوساطة، وكذلك لإحباط أي نفوذ إيراني في العملية.
كما يتناول النقاش بين عبدي وبارزاني كيفية دمج قوات سوريا الديمقراطية في الهيكل السياسي الجديد لسوريا، وموازنة علاقاتها المتوترة مع الأحزاب الكردية السورية الموالية لتركيا.
لكن نجاح هذه الجهود يعتمد بشكل كبير على تطورات الأوضاع في سوريا، لا سيما فيما يتعلق بمفاوضات قوات سوريا الديمقراطية مع دمشق بشأن دمج قواتها في الجيش الوطني السوري. وإذا نجحت هذه العملية—وخاصة إذا كانت جزءًا من اتفاق سلام بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني—فقد تؤدي إلى تغيير جذري في الحسابات الجيوسياسية لكل الأطراف المعنية.
وبينما قد تؤدي هذه التطورات إلى سحب الورقة الكردية من أيدي إيران، فإنها قد تثير في المقابل ردود فعل إيرانية إذا لم يتم الحفاظ على توازن دقيق بين جميع اللاعبين. ومع ذلك، تشير التحركات الأخيرة لأنقرة وطهران والقوى الكردية إلى أن مستقبلًا جديدًا، ربما أكثر دبلوماسية، قد يكون في الأفق—إذا تم لعب الأوراق بذكاء.